رؤساؤنا ورؤساؤهم!

TT

حينما يتقاعد الرئيس في الولايات المتحدة، ليحمل لقب رئيس أميركي سابق، تبدأ السماء تهطل عليه ذهبا، ويعتبر بيل كلينتون من أكثر الرؤساء السابقين استدرارا لحليب الرئاسة السابقة، حتى ليقال إنه جمع أكثر من 50 مليون دولار من المحاضرات التي يلقيها في المؤتمرات والجامعات داخل أميركا وخارجها بعد تقاعده، وهو نفس ما يفعله الرئيس الماليزي السابق مهاتير محمد، وبعض الرؤساء الأوروبيين السابقين.

وفي عالمنا العربي يندر أن تجد رئيسا سابقا «مستقيلا أو مقالا» يمتلك مثل هذه الفرصة، لأن الرئاسات العربية غالبا ما تنتهي بالموت أو الانقلابات، ولذا فإن عدد الذين يحملون لقب رؤساء سابقين محدود جدا في عالمنا العربي، منهم الرئيس السابق المرحوم جعفر نميري، والرئيسان الجزائريان الشاذلي بن جديد، وأحمد بن بيلا، إضافة إلى بعض رؤساء لبنان، وموريتانيا، وإلى الانقلابات الأخيرة فيها يرجع الفضل في إثراء نادي الرؤساء العرب السابقين بالمزيد من الأعضاء، فهي توشك أن تكون الدولة العربية الوحيدة التي لم تخمد فيها جذوة الانقلابات رغم انحسار الظاهرة في العالم العربي عما كانت عليه في عقود الخمسينات، والستينات والسبعينات من القرن الماضي.

وأوضاع الرؤساء العرب السابقين تدعو إلى الشفقة، ففي لقاء صحافي سابق مع الرئيس بن جديد وبعض أبنائه، أكد فيه الرئيس الشاذلي بن جديد أنه يقيم في العاصمة الجزائرية لدى عائلة زوجته، وأنه لم يكوّن أي ثروة خلال ولايته، وأنه يعيش من معاش تقاعده، ويلجأ إلى الضمان الاجتماعي للمداواة، وتذمر أبناؤه في نفس اللقاء من البطالة التي يعيشونها، ولا أعتقد أنه كان بمقدور الرئيس السوداني السابق جعفر نميري (رحمه الله)، الذي حكم السودان في الفترة من 25 مايو 1969 إلى 6 ابريل 1985، أو الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا، الذي حكم الجزائر من 29 سبتمبر 1962 إلى 19 يونيو 1965، أو غيرهما من الرؤساء العرب السابقين أن يفعلوا مثل ما فعله كلينتون، أو مهاتير لافتقار تجربة جل الرؤساء العرب السابقين إلى منهجية سياسية، أو إدارية، أو فلسفية يمكن تسويقها إلى الآخرين، فضلا عن عوامل أخرى لا يتسع المقال ـ ولا المجال ـ لذكرها.

تلك السطور مجرد مطالعة في مرآة واقعنا العربي، وعلى رأي صديقنا الروائي الجميل عبده خال «ليس هناك ما يبهج».

[email protected]