أوباما وتأييد النظام

TT

أربك الاضطراب الذي يحدث في إيران منذ الانتخابات الرئاسية الجدل المتعلق بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة على نحو مثير للاهتمام، فمؤيدو الرئيس أوباما والذين كانوا حتى وقت قصير يشجبون أجندة إدارة بوش «للحرية» ويصرون على المنهج «الواقعي» وجدوا أنفسهم فجأة ينادون بالحرية والديمقراطية في إيران. ونظرا لرغبتهم في إيعاز كل الأشياء الطيبة إلى جهود الرئيس أوباما، ألمحوا إلى أن الاضطرابات في إيران ترجع إلى شعبية أوباما بين الإيرانيين والمسلمين.

وإذا كان ذلك صحيحا، فإنه سيكون من أكبر المفارقات في التاريخ، ذلك أنه في حقيقة الأمر لم يسع أوباما قط إلى إثارة اضطرابات سياسية في إيران، ولا تشجيع الشعب الإيراني على الخروج إلى الشوارع. كما أن قيامهم بذلك ليس بالخبر الجيد بالنسبة للرئيس أوباما، وإنما على العكس تماما يمثل تعقيدا لا حاجة له إليه في استراتيجيته للتواصل والتقارب مع الحكومة الإيرانية حول القضية النووية.

في الواقع، كان من المفترض أن تكون إحدى أعظم ابتكارات إدارة أوباما فيما يخص توجهها إزاء إيران الإقرار المتأني لشرعية حكام طهران. في مناورة دبلوماسية واضحة، تعمد أوباما خلال خطابه للشعب الإيراني بمناسبة العام الفارسي الجديد في مارس (آذار)، الحديث مباشرة إلى الحكام الإيرانيين، وهو اختلاف جوهري عن عادة جورج بوش في توجيه حديثه إلى الشعب الإيراني متجاوزا قادتهم. وكما وصف مارتن إنديك المسؤول السابق في إدارة كلينتون في ذلك الوقت، فإن كلمات أوباما كانت مصممة بحرص «للإعلان عن قبول الحكومة الإيرانية».

وشكل هذا التوجه دائما عنصرا أساسيا في «الصفقة الكبرى» مع إيران، فعلى الولايات المتحدة أن تقدم بعض الضمانات إلى النظام بأنها لن تستمر في دعم قوى المعارضة أو تحاول بأية طريقة الإطاحة بالنظام. ودارت الفكرة الرئيسية حول أن على الولايات المتحدة ألا تتوقع من النظام الإيراني أن يتفاوض على القضايا الأساسية للأمن القومي مثل البرنامج النووي، طالما أن واشنطن تعطي أي نوع من أنواع التشجيع لمعارضي الحكومة. وكان على أوباما أن يختار وقد اختار بالفعل.

ولاقى قرار أوباما ترحيبا كبيرا باعتباره نهجا «واقعيا» يخالف مثالية إدارة بوش الحالمة والتي تؤتي بنتائج عكسية.

وسيكون من المثير للدهشة أن يتخلى أوباما عن هذه الاستراتيجية الواقعية الآن، وهو ما لم يفعله. وقد تعرضت استجابته المدروسة بعناية لاندلاع الغضب الشعبي ضد النظام لإساءة فهم على نطاق واسع باعتبارها تعكس مخاوف من أن المساندة الأميركية الصريحة للمعارضة ربما تضر بها أو أن أوباما ربما يريد تجنب ظهور واشنطن بمظهر الواعظ. (وقد صرح أوباما نفسه بالأمس أنه لا يريد أن تبدو الولايات المتحدة وكأنها «تتدخل» في شؤون الآخرين).

لكن حسابات أوباما مختلفة تماما، فبغض النظر عن ميوله الشخصية، إذا كان عازما على الالتزام باستراتيجيته الأصلية، يعني ذلك أن عليه ألا يبدي اهتماما بمساعدة المعارضة. والملاحظ أن استراتيجيته نحو إيران تجعله يقف فعليا إلى جانب جهود الحكومة لإعادة الوضع إلى طبيعته بأقصى سرعة ممكنة، وليس مع جهود المعارضة لإطالة أمد الأزمة.

ولا يعني ذلك أن أوباما كان يفضل فوز محمود أحمدي نجاد، فهو على الأرجح كان سيصبح أكثر ارتياحا تجاه التعاون مع مير حسين موسوي، حتى في غياب ما يدعو للاعتقاد بأن موسوي سوف يتخذ توجها مغايرا بالنسبة للقضية النووية. ولكن بمجرد أن خسر موسوي ـ سواء بنزاهة أم لا ـ لم تعد هناك حاجة لأوباما لموسوي أو مؤيديه. وإذا بدا أن أوباما يمد يد العون للمعارضة الإيرانية بأي طريقة كانت، سوف يبدو معاديا للنظام، وذلك تحديدا ما يتمنى تجنبه.

وتتطلب سياسة أوباما حاليا تجاوز الجدل الانتخابي بسرعة حتى يتمكن من بدء المفاوضات مع حكومة نجاد التي أعيد انتخابها قريبا. وسيكون ذلك صعبا في ظل استمرار احتجاجات المعارضة، كما أن الحكومة تبدو غير مستقرة ووحشية بما لا يسمح بالتعاون معها. وما يحتاجه أوباما هو العودة السريعة لحالة السلم والهدوء في إيران وليس استمرار الاحتجاجات، فهدفه يجب أن يكون تقليص المعارضة وليس تشجيعها. وهذا هو ما يقوم به بالفعل.

هل تجد كل ذلك مزعجا؟ يجب أن يكون كذلك. فالأسوأ من ذلك، هو أن هذا التوجه لن يمنع إيران في الأغلب من امتلاك سلاح نووي، ولكن هذا هو جوهر «الواقعية» وذلك هو ما دفع برنت سكوكروفت لشرب نخب مع قادة الصين في أعقاب أحداث ميدان تيانانمين، وهو ما أقنع غيرالد فورد بألا يقابل ألكسندر سولغنيتسين في ذروة سياسة التفاهم. فالجمهوريون كانوا عادة أفضل في ذلك عن الديمقراطيين، رغم أن الشعب الأميركي نادرا ما كافأهم على ذلك عبر صناديق الاقتراع، وخير دليل على ذلك فورد وجورج بوش.

وسوف نرى ما إذا كان أوباما سيتمكن من المضي قدما برباطة جأش في مساعيه لتحسين العلاقات مع نظام قبيح دون مواجهة نفس المصير السياسي.

*زميل أول في معهد كارنيغي للسلام الدولي

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»