إيران إلى أين؟

TT

أحداث التظاهرات والاحتجاجات الكبيرة الموجودة الآن في إيران توضح أن المسألة هي أكبر من مجرد الاحتجاج الشعبي للاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيرا، بل هى كما يبدو هي اعتراض على النظام نفسه. الثورة بدأت تأكل نفسها وتلتهم أبناءها كقرابين للحكم.

كل المرشحين الذين خاضوا السباق الرئاسي هم من مخرجات النظام الثوري. وكلهم بلا استثناء كانوا جنودا في الصفوف الأولى لخدمة الدولة في مواقع حساسة مختلفة، ومع ذلك بدا واضحا أن هناك انقساما هائلا بينهم وبين النظام وتحديدا مع النخبة الحاكمة الآن بما فيها المرشد الأعلى للثورة على خامنئي نفسه والذي بات جزءا من الأزمة نفسها بانحيازه التام لأحمدي نجادي الرئيس الحالي سواء في مواقف إشادية قبل الانتخابات أو بعد ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها أخيرا.

معظم المتظاهرين في إيران اليوم هم من فئة الشباب وهم لم يعرفوا الشاه ولا عرفوا الخميني، ولكنهم كبروا ضمن نظام مستبد وقاس، آثر الاهتمام بفكرة التدخل في شؤون الدول الأخرى وتصدير الثورة بدلا من التركيز على خطط التنمية والإصلاح الداخلي، حتى يتم التعامل مع معدلات بطالة قياسية في دولة لديها أحد أكبر نسب معدلات النمو السكاني في العالم اليوم. شرعية أي حكومة في العالم مستمَدة مباشرة من قدرتها على توفير العيش بكرامة واحترام لأبنائها ومهما كانت الشعارات براقة وتحمل الطابع الديني أو القومي فهي ما دامت لم تحقق ذلك تسقط شرعيتها وتفقد احترامها وسط شعوبها.

الغضب الشعبي في إيران وصل للشارع في مدن إيران الكبيرة وقد يتحول إلى كرة ثلج هائلة لا يقدر على احتوائها كوادر النظام ، فقد حدث ذلك الأمر في الفلبين ونيبال وإيران نفسها من قبل. إيران اليوم تدفع فاتورة باهظة الثمن داخل بلادها، فاتورة إهمال الداخل وتكريس التدخل في سياسات الخارج مما أدى إلى فجوة مهولة في الطبقات الاجتماعية زكاها بقوة عناصر الاستبداد والفساد الإداري والمالي والذي بلغ حدودا أو مستويات غير مسبوقة في إيران. المظاهرات المندلعة اليوم هي تظاهرات ضد النظام نفسه وليست احتجاجا على النتائج الرئاسية فقط، وهذه نقاط لا بد من معرفتها لإدراك حجم التحدي الذي تواجهه اليوم إيران.

ومجلس صيانة الدستور يعلم تماما أن هناك مأزقا بالغ الجدية تمر به البلاد وحتما هناك توجه جاد لإعادة الانتخابات بين نجاد وموسوي، وبالتالي تخطي فحوى مضمون خطبة خامنئي والتي أكدت انتصار نجاد. الفصول القادمة في المشهد الإيراني تؤكد أن البلاد على مفترق طرق غير مسبوقة. كان لإيران وجه جميل ورومانسيا قدمت للعالم ابن المقفع ورائعته «كليلة ودمنة» وقدمت جهبذ اللغة العربية سيبويه وإمام المسلمين أبو حامد الغزالي وفيلسوف الشعر عمر الخيام والحافظ وأجمل التحف من سجاد وفسيفساء وخزف ومعمار وألذ المذاق كجلو كباب وبوغلي بولو، والآن لا يتذكر الناس إلا وجها معاديا وقبيحا.. خسارة.

[email protected]