بدأ عصر القدم.. انتهى عصر القلم!

TT

رحم الله أستاذنا توفيق الحكيم. لقد مات من الحسرة. قرأ أن أحد لاعبي كرة القدم وهو دون العشرين قد دفعوا له ثلاثة ملايين جنيه، وعلى الفور أمسك توفيق الحكيم قلما وورقا وراح يحسبها.

وخرج من عمليات الحساب هذه بأن جميع الأدباء من آدم حتى توفيق الحكيم لم يكسبوا ثلاثة ملايين جنيه.. عاشوا بعقولهم وماتوا بها.. ثم جاء من بعدهم واحد يعيش بجزمته فأعطوه ثلاثة ملايين، وهو ما لم يحصل عليه جميع الأدباء في كل العصور. فهناك أدباء ماتوا من الجوع وماتوا من البرد.. وتعبوا وتعذبوا وأحرقوا كتبهم في الشرق وفى الغرب. وبعض الأدباء كانوا حفاة حتى لو كانت عندهم جزم. فهم مثل الجزم لا قيمة لهم..

وكان توفيق الحكيم يطلب مني إذا أرسلت له مكافأة عن مقالاته ألا أبعث له بشيك.. ولا أبعث له بأوراق مالية من فئة المائة والخمسين والعشرين والعشرة والخمسة، إنه يريدها من فئة الجنيه ليشعر بها وقد ملأت يديه.. وأمتعت عينيه!

رحم الله توفيق الحكيم، فقد أذهله أن يكسب عيل بجزمته ثلاثة ملايين.. ولم يعش ليرى عيلا آخر يشترونه بما يعادل 500 مليون جنيه مصري. فهذا أكبر من احتمال توفيق الحكيم والعقاد وطه حسين وشوقي وكل الأدباء والشعراء على طول الزمان..

أذكر أننا كنا في حفلة يحضرها شيخ الأزهر ووزير الثقافة ووزير الداخلية عندما سألني توفيق الحكيم: كم تدفع في المقال. فقلت: كما تريد. فقال: مائة جنيه.. وقبل أن تستلم المقال. ومعي مقال في جيبي..

ولم تكن معي مائة جنيه.. وإنما أخذت عشرين من الوزير وعشرين من شيخ الأزهر وعشرين من الفنانة سميحة أيوب وقدمتها لتوفيق الحكيم فقبلها على مضض. فقد كان يريدها فكة.. وأعطاني المقال. وظهرت السعادة على وجهه بالمائة جنيه!