إيران.. الجرح الذي لا يندمل

TT

بغض النظر عن نتيجة الصراع الدائر حاليا في طهران، فإن هناك شيئا واحدا مؤكدا، وهو أن المؤسسة الحاكمة تعاني من انشقاق كبير، ولا يبدو أن هناك نهاية له في المستقبل القريب.

وبوسع المرء أن يرى ذلك الانشقاق في كافة المؤسسات التي تشكل في مجموعها المؤسسة الخومينية، فالقطاع السياسي النشط لرجال الدين من الشيعة يعاني من الانقسام، حيث يقف رجال الدين الكبار مثل حسين علي منتظري وعبد الكريم موسوي أردبيلي ويوسف سياني على الجانب المقابل لجانب المعارضة.

ومن ناحية أخرى فإن رجال الدين الكبار الآخرين مثل محمد تقي مصباح يازدي وأحمد جنتي وأحمد خاتمي يدعمون «المرشد الأعلى» علي خامنئي الذي ظهر كقائد ميداني للنظام. وبالمثل فإن المؤسسة العسكرية منقسمة كذلك، فالبعض ـ مثل وزير الدفاع الجنرال مصطفى محمد نجار ووزير الداخلية الجنرال صادق محصولي ـ قد اتجهوا إلى تأييد موقف خامنئي المتشدد، والبعض الآخر مثل الأدميرال علي شامخاني، وهو وزير الدفاع السابق، والجنرال يحيى رحيم صفوي، وهو القائد السابق لقوات الحرس الثوري، قد أظهروا إشارات على تأييد المعارضة. وقد يكون الانشقاق في صفوف قوات الحرس الثوري أعمق مما يتصور العديد منا.

وحسب تقارير غير مؤكدة، فإن 17 ضابطا على الأقل من قوات الحرس الثوري قد أقيلوا من وظائفهم. وقد تمت «إقالة» الجنرال علي فضلي، وهو قائد كبير كان يقود قطاع النخبة، بعد أن رفض إصدار أوامر لقواته بسحق المتظاهرين. لكن موقف الجنرال محمد علي جعفري، وهو قائد قوات الحرس الثوري، لا يزال غامضا، فعلى الرغم من أنه يأتمر بأوامر أحمدي نجاد فإنه أظهر في بعض الأحيان عدم سعادته بأسلوب الرئيس، إن لم يكن بجوهر سياسته.

وقد حاول الجنرال حسان فيروزآبادي، وهو رئيس أركان القوات المسلحة وأبرز القادة العسكريين في البلاد، أن يقف على الحياد دائما على الرغم من بعض الادعاءات بأنه يتعاطف مع المعارضة.

وكذلك فإن القطاع التجاري، وهو أحد أعمدة النظام الخوميني، يعاني من الانقسام بين المؤيدين والمعارضين للنظام، ففي الأيام القليلة الماضية كانت هناك مناشدات لأصحاب المحال التجارية بإغلاق أبوابهم احتجاجا على نتائج الانتخابات، ومناشدات أخرى بإغلاقها ابتهاجا بـ«الانتصار التاريخي» لأحمدي نجاد.

وبعض أبرز التكنوقراط، مثل وزير الخارجية السابق علي أكبر ولاياتي، يؤيدون «المرشد الأعلى» دون شك أو سؤال، وبعضهم الآخر، مثل غلام رضا أغازاده الذي يرأس البرنامج النووي، قد أظهروا بعض الإشارات على دعم المعارضة. وهناك بعض الشخصيات المؤثرة الأخرى مثل الجنرال محمد باقر قاليباف عمدة طهران، وعلي لاريجاني المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي، قد حاولت اتخاذ موقف محايد، فأثاروا الجلبة دعما للمعارضة في يوم، وأظهروا التأييد لـ«المرشد الأعلى» في اليوم التالي.

وكذلك انقسمت النخبة الأكاديمية في إيران بسبب الأزمة الحالية، فقد استقال أكثر من 400 من أساتذة الجامعات وعمداء الكليات احتجاجا على ما يقال إنه تزوير في الانتخابات. وعلى النقيض من ذلك فإن مئات من الشخصيات الأكاديمية قد وقفت خلف أحمدي نجاد واستنكرت ما يقوم به موسوي من «عمل بالنيابة عن أعداء النظام». وبصورة مبدئية فإن البعض في الغرب، بمن فيهم بعض مستشاري الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما، قد زعموا أن الثورة المؤيدة لموسوي ما هي إلا تعبير صريح عن غضب الطبقات المتوسطة في المجتمع الإيراني، وغضب شباب المناطق الثرية، وهو ما يجانب الحقيقة تماما. واليوم فإن المعسكرين حاضران في المجتمع الإيراني، ويقطعان كافة الحدود، سواء ما يتعلق منها بالطبقة أو المنطقة أو العمر. ويتمتع موسوي بالدعم الكبير في المناطق الريفية والحضرية الفقيرة، بينما يكثر مؤيدو أحمدي نجاد في المناطق الغنية والراقية في طهران. وسوف يكون من المثير أن نرى ما سوف يحدث عندما يعقد بعض أركان النظام اجتماعاتهم التالية، ولنأخذ على سبيل المثال المجلس الأعلى للدفاع الوطني. فأحمدي نجاد وحسين موسوي عضوان سابقان مع بعض اللاعبين الآخرين مثل الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وقد يتجه النصف إلى موسوي ويتجه النصف الآخر إلى أحمدي نجاد.

ثم هناك ما يعرف افتخارا باسم مجلس تشخيص مصلحة النظام، ويرأسه رفسنجاني والجنرال محسن رضائي مير قائد، وهو أحد مرشحي الرئاسة المهزومين، كسكرتير عام. وقد عبر نصف أعضاء المجلس على الأقل عن تأييدهم لأحمدي نجاد.

وينطبق الأمر نفسه على مجلس الخبراء الذي يتكون من 92 رجل دين، تتلخص مهمتهم في الإشراف على عمل «المرشد الأعلى»، ويرأس رفسنجاني، الذي ينظر إليه على أنه أحد أهم شخصيات المعارضة، ذلك المجلس. ومن وجهة النظر القانونية فإن المجلس لديه صلاحية سحب الثقة من خامنئي وإقالته كـ«مرشد أعلى»، ولكن ذلك يتطلب أغلبية الثلثين، وهو الأمر الذي لا يستطيع رفسنجاني توفيره في الوقت الحالي.

ويمتد الانقسام إلى المجلس الإسلامي، بل إنه أظهر للعيان. فحسب بعض التقديرات فإن ثلث الأعضاء يتجهون بتأييدهم إلى موسوي، ويؤيد ثلث آخر أحمدي نجاد، وينتسب الثلث الأخير إلى «حزب الرياح»، فيؤيد من يبدو أنه منتصر أيا كان. وداخل مجلس الوزراء الذي يرأسه أحمدي نجاد، يعتقد أن هناك 4 أشخاص على الأقل يؤيدون المعارضة، ومن المتوقع التخلص منهم في التعديل الوزاري المقبل.

ويمتد الانقسام كذلك إلى الأسر الكبيرة المرتبطة بالخومينية، وقد برزت إحدى حفيدات الخوميني كمؤيدة لمعسكر موسوي. ومن ناحية أخرى، فهناك حفيد آية الله الأخير، وهو مؤيد لأحمدي نجاد.

وقد أصبح أكبر أولاد خامنئي، وهو يدعى مجتبى، من أبرز مؤيدي أحمدي نجاد، حيث يطوف البلاد حشدا للداعمين له. ومن ناحية أخرى فإن أخا لخامنئي، ويدعى هادي، يعتبر مؤيدا لمهدي كروبي، وهو أحد المرشحين المهزومين في الانتخابات الرئاسية، وهو معارض بارز لأحمدي نجاد. وقد قسمت الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو (حزيران) الجماعات المتنافسة إلى معسكرين كبيرين.

وتحت ظروف مختلفة فإن ذلك قد يؤدي إلى نظام الحزبين، وهو ما يسمح للجماعتين المتنافستين بتداول السلطة وتشكيل الحكومة. وقد كان من الممكن السماح لموسوي بالفوز وتشكيل حكومة جديدة، ومثل هذه النتيجة ربما كان من الممكن أن ينظر إليها على أنها قدمت نظاما أكثر اعتدالا وله شرعية جديدة من خلال الانتخابات. وقد كان من الممكن أن يكون ذلك عاملا لتماسك النظام، حيث يحتفظ المعسكر المهزوم بفرصه في الرجوع إلى السلطة بعد انتخابات أخرى. وقد كان من الممكن أن تكون هذه الفرص أقوى لأن النظام لا يسمح «للخارجين» بالتقدم في الانتخابات.

ومع ذلك فإن كل ما يمكننا توقعه الآن هو كارثة دموية يقوم في نهايتها الطرف المنتصر بعملية تطهير واسعة على كافة المستويات. وفي النظام الخوميني ليست هناك مساحة للحلول الوسط، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو على صعيد السياسة الخارجية.