سبحان مقسم العقول

TT

قال لي: كل إنسان من الممكن أن يطيش كل يوم خمس مرات، المهم أن لا يتجاوز ذلك الحد.

قلت له: ما رأيك بمن يطيش كل يوم أكثر من عشر مرات على الأقل؟!

فسألني: من هو ذلك الأهوج؟!

وخجلت أن أقول له: أنا.

* * *

هو رجل كريم استلطفني ـ ولا أدري على ماذا! ـ غير أن كرمه واستلطافه لي قد زادا عن الحد، وذلك عندما وجه إليّ دعوة مفتوحة للذهاب معه إلى (هونغ كونغ)، محفولا مكفولا.

وافقته دون تردد، غير أنني (فرملت) عندما قال لي: إنني سوف أحجز لي ولك كرسيين في المأدبة السنوية التي تقام في مطعم (الأمباسادور).

(فرملت) لأنني أعرف نفسي الصعبة (النيقة) التي لا تأكل أي شيء، وتأكد لي ذلك عندما حكى لي عن (منيو) العشاء وكيف تحضيره.

قال إن تلك المأدبة يطلق عليها مأدبة (أباطرة الصين)!!

وبين ما يقدم من الأطباق المترفة خرطوم فيل، وأقدام دببة، وطبق أعد من 144 لسان عصفور، ويشرف على تلك المأدبة التاريخية السنوية ثماني نادلات يرتدين جميعهن فساتين هفهافة شفافة من الحرير الطبيعي، ولا تزيد كراسي الطاولة الجماعية عن 12 كرسيا، والحجز فيها بمنتهى الصعوبة، وحساب الشخص الواحد خمسة آلاف دولار.

كان الرجل يتكلم بحماسة وأنا فاتح فمي من شدة الدهشة، واعتقد هو أنني معجب ومأخوذ بما يحكيه لأنه استطرد قائلا ليزيد من بهجتي: إن تلك المأدبة تعد على نسق الوجبات التي كانت تقدم إلى سلالة الإمبراطور (شينغ)، ويستغرق تحضيرها ثلاثة أشهر، والصعوبة فيها تكمن في الحصول على خرطوم الفيل طازجا، ولكنني اطمأننت عندما أخبروني أنهم حصلوا فعلا على ذلك الخرطوم من تايلاند. ويستغرق طهي أقدام الدببة لكي تكون صالحة للمضغ أكثر من ثلاثة أيام على نار هادئة، ولكنهم يؤكدون أنها مقوية للباءة بشكل لا يصدق.

عندما وصل إلى هذا الحد في كلامه أخذت أتلفت ناحية الباب، غير أنني جاملته عندما قلت: يكون خير، سوف أتصل بك غدا.

قال: التذكرة جاهزة، والحجز جاهز.

(وهذاك وجه الضيف)، إذ إنني لم أتصل به حتى هذه الساعة، حتى تلفوني المحمول أغلقته.

* * *

حقا، سبحان مقسم العقول الذي أرضى كل إنسان بحصته.

[email protected]