نعم.. وبالفم الملآن

TT

إنني أقدم إعجابي لما اتخذته المؤسسة الدينية في كل من الإمارات ومصر، بتوحيد (الأذان) في مساجدها ـ بقدر الإمكان ـ، وتخفيض أصوات الميكروفونات، وقصرها وقت الإقامة والصلاة في داخل المسجد، وضحكت عندما قرأت عن مواطن دخل على وزير الشؤون الإسلامية في بلده العربي يحمل ميكروفونا بالبطارية، وعندما وقف أمامه خاطبه وهو يصرخ بالميكروفون، ففزع الوزير ووضع أصابعه في أذنيه وهو يشير له أن يتوقف، غير أن المواطن واصل كلامه وصراخه، وصدى صوته يلجلج بمبنى الوزارة، إلى درجة أن الموظفين خرجوا من مكاتبهم يتراكضون فزعين من شدة الإزعاج.

والسبب أن ذلك المواطن أراد أن (يقتص) من الوزير على طريقته الخاصة، إذ إن المسكين أصيب بعاهة مستديمة في طبلة أذنه، وأصبح شبه (أطرش) من جراء مجموعة الميكروفونات العالية الجودة والنبرة والمعلّقة على إحدى المنائر المجاورة لبيته، وهي تزلزل أركانه بطريقة مبالغ فيها ولا تحسب أي حساب ولا رحمة لا لمريض أو طفل صغير.

وإليكم نموذج آخر مختلف ويبعث على (العجب والألم) في الوقت نفسه وهو ما أقدم عليه مدير الشؤون الاجتماعية في إحدى المدن العربية، عندما فرض شروطا لتقديم المعونة للمحتاجين، ومنها:

(1) أن يكون المحتاج ملتحيا، (2) أن يحفظ أجزاء من القرآن، (3) لا يملك (دش) فضائي، (4) إحضار شهادة من إمام المسجد أنه يؤدي الصلوات بانتظام في داخله.

ومن لا تنطبق عليه تلك الشروط كاملة وبحذافيرها، لا يستحق الإعانة مهما كان فقيرا معدما !

ونسي ذلك المدير أن (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، منح من بيت مال المسلمين صدقة (ليهودي) فقير، وهو غير ملتح، ولا يحفظ أي آية من القرآن، ولم يدخل في حياته أي مسجد لأنه لا يدين بالإسلام أساسا ـ الشيء الوحيد المحتمل أن ذلك (اليهودي) كان يملك (دشا) فضائيا ـ !!

ليس فيما ذكرته تهكما أو سخرية، ولكنها حقيقة معاشة ومسموعة ومطروحة، فالبعض للأسف أرادوا أن يختطفوا الدين، وبعضهم أرادوا أن يفصلوه على مقاساتهم وهواهم.

إنني لا أشبه هؤلاء إلا بغير الدب الذي شاهد على أنف صاحبه النائم ذبابة، ولكي لا تزعجه أراد أن يبعدها عنه فقذفها بصخرة كبيرة فكانت النتيجة أنه (هرشم) أنف صاحبه، ولم يقتل الذبابة.

الدين يعلو ولا يعلى عليه.

الدين لا يرتفع بارتفاع مكبرات الصوت، لأن الله عز وجل رفعه ومكّنه من الصدور حتى في سكون الليل البهيم وظلمته الحالكة.

الدين ليس عنوانه عدة شعرات قد تظهر في وجه بكثافة غزيرة، وفي وجه آخر قد تكون مجرد تناتيف مشعثرة متباعدة، ولو شاء الله لجعل الناس كلهم متساوين بعدد شعرات الرؤوس والوجوه.

إنني لا أريد أن أزايد على أحد، ولكنني كإنسان مسلم مؤمن أريد لديني وأمتي أن تزاحم الأمم الأخرى بمناكبها في مجالات خلاقة مبدعة بعيدا عن المظاهر والشكليات.

وديننا ولله الحمد فيه ما يغني ويفحم الجهلاء.

أليس الله سبحانه جعل قرآننا العظيم صالحا لكل زمان ومكان؟!.

نعم، أقولها وبالفم الملآن ولا أبالي.

[email protected]