.. وراعي الأمتين

TT

احتفلت السعودية بالسنة الرابعة لمبايعة عبد الله بن عبد العزيز، بإطلاق مشاريع أخرى في العمران وفي العلوم. وقامت الدنيا في الصحافة لوصول قادمين يحملون جرثومة الإنفلونزا، ولم ينتبه أحد إلى مئات العائدين إلى أهلهم وديارهم وأبنائهم تحت مظلة «المناصحة». والمناصحة تعبير خاص، جدا خاص، وسعودي الصنع. وهو يعني أولئك العائدين من خداع الإرهاب، إلى دولة رعت عائلاتهم وعلمت أبناءهم ومنحتهم العفو، فيما ذهبوا هم إلى الخارج لكي يتدربوا على السلاح والمتفجرات وقتل الأطفال. ولما رأوا كيف تحرص الدولة على أطفالهم وعرضهم وعائلاتهم وترفض الانتقام من أحد أو معاقبة أي بريء، طلبوا السماح والإذن بالعودة. وقيل لهم هذه أرضكم ولستم في حاجة إلى إذن. أنتم فقط في حاجة إلى مصارحة مع الضمير ومصالحة مع العقل.

حارب عبد الله بن عبد العزيز الإرهاب بأرقى أصول الحكم. بدل أن يوسع السجون وسع الصدر، وبدل أن يعاقب المخطئ والمضلل، عرض عليه عقدا وطنيا آخر. ليس العفو مقابل الولاء، بل العفو لقاء الوعي. وقال لهم ببساطة: شردكم الإرهاب ويعيدكم الوطن. والدولة التي لا تسمح بازدواج الجنسية حرصا على أن يكون لشعبها موطن واحد، لا يمكن أن تسمح بأن يبعد التحذير أبناء هذا الشعب عن أرضه.

في ذكرى البيعة قال عبد الله بن عبد العزيز أبو متعب لشعبه، قال للناس جملة بسيطة وديعة واحدة: ما يؤلمكم يؤلمني وما يسعدكم يسعدني. وهذا كل شيء. لا نظريات ولا فلسفات ولا مطولات. نحن شركاء في السعادة وفي الألم. ولذلك هو هنا من أجل أن يبعد الآلام عن شعبه لكي يبعد الآلام عن نفسه.

في الإطار الداخلي مرت ذكرى البيعة والبلد ـ كما وعد عبد الله بن عبد العزيز في اليوم الأول للأزمة الكونية ـ أقل بلدان العالم تعرضا لآثارها. وفي الإطار العربي، إذا كان الرجل في حاجة إلى شهادة في سياساته وحكمته ورعايته، يكفيه إعلان خالد مشعل عن العودة إلى منطق المبادرة العربية. وفي الإطار الإسلامي لم يعد الاعتدال تهمة كما تصفه «الجزيرة» عندما تقول: «الدول التي تسمى دول الاعتدال»، بل صار الاعتدال مرجعا ومرفأ، من فلسطين إلى طهران، مرورا طبعا باليمن.

لم يغير عبد الله بن عبد العزيز في سياسته وفي دأبه وفي قلبه شيئا. الذي تغير سواه. هو أراد أن يكون خادم الحرمين وراعي الأمتين. ومنذ البيعة لم يرده شيء ولم يصده شيء. هذه رسالة لا مهمة.