في الطريق المطلوب

TT

الأزمة الاقتصادية العالمية كان لا بد أن تكون لها أيقونة في منطقة الخليج العربي واقتصادها، فهناك من يقول إن دبي والهبوط في قيم العقارات والأسهم بها هي الأيقونة بعينها، وهناك من يقول إنها الخلاف الحاصل بين الشركتين الكبيرتين بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية (التي لا تزال فصولها في اتساع وملامح التجاوزات إلى انكشاف بشكل مفزع وخطير). شخصيا لا أعتقد أن خلاف الشركتين من الممكن أن يكون مندرجا تحت باب «مثال» لنتاج التدهور المالي نتاج الأزمة العالمية الكبرى، لأن من الواضح جدا أن هناك علامات ومؤشرات آخذة في الظهور تؤكد وجود خلل خطير في مستندات وصلاحيات وتواقيع طرف واحد منح بتلك الوسائل قوة خطيرة لتنفيذ عمليات مالية هائلة في وسط مناخ ضبابي تؤكد وقائع المرض والحياة والموت لبعض الأطراف المعنية، وليست المسألة بحاجة لعلماء الفلك ولا وسطاء الجن للتأكد من ذلك، كل ما هناك أن التاريخ موجود والحوادث مشهودة فلنقارن كل تلك القرائن والحكم للحق والضمير والعقل. استمر تدفق المعلومات خلال الأيام السابقة ليوضح حجم انكشاف ديون بعض المصارف الخليجية للمجموعتين تحديدا وسط أنباء عن مباحثات مستمرة لأحد الطرفين المعنيين لبيع أصوله المشهورة بالسعودية. ووسط كل تلك الأحداث كانت هناك شواهد مقلقة يتم تداركها بشكل مؤكد لتزيد من «خطورة» ما يمكن أن يحدث، وأبعاد «درامية» متوقعة، ووسط هذا الجو الملبد بالغموض ومع ازدياد مؤشرات وأدلة وبراهين تؤكد أن المسألة «ليست» خلافا تجاريا يقتضي الصلح والتراضي بين طرفين، ولكن الموضوع ذو أبعاد أخرى وأن التجاوزات في العلاقة تأخذ أبعادا خطيرة جدا.

وهذا هو الذي توصلت إليه سلطة مؤسسة النقد في مملكة البحرين التي أعلنت أنها ستفتح تحقيقا معمقا في القضايا الخلافية المستندية التي تعنى المجموعة فيما يخص المسائل المصرفية داخل مملكة البحرين (وهي المنطقة التي كانت شرارة انفجار تسونامي الأخبار المتتالية عن التجاوزات والمكاشفات المتعلقة بهذه القضية)، وحسنا فعلت مؤسسة النقد البحريني بهذه الخطوة وانتقالها من خانة الانتظار وملاحقة أوهام الوساطات ونشرات أخبار حملات العلاقات العامة التي تبيع أوهام «الصلح» وذلك لمجرد كسب الوقت وتمديد الفترة ليس إلا وهذا يؤدي إلى تفاقم المسألة وازدياد تكلفة إصلاحها وكثرة أعداد المتضررين بسببها. الاعتراف الضمني المهم من قبل مؤسسة النقد بالبحرين بأن الموضوع يتعدى الخلاف المالي لأبعاد أخرى مهمة وخطيرة يستدعي التحقيق على مستوى «آخر» وهو تحريك جاد وحيوي للقضية بالاتجاه السليم وكل الأمل والمطلوب أن لا تكون مؤسسة النقد البحريني هي وحدها التي تسير في هذا الاتجاه السليم. ها هي هيئة السوق المالية بالسعودية تستصدر قرارات إدارية حازمة لإعادة الانضباط للسوق المالية والمطلوب بالتالي أن تتبع جهات أخرى نافذة ومؤثرة هذا الاتجاه الصحيح. حينما ينقشع الضباب ويتبدد الدخان الكثيف من أمام الأعين تتضح الرؤية ويسهل اتخاذ القرار الصحيح. واليوم هناك الكثيرون يراقبون باهتمام شديد جدا أي اتجاه ستسير فيه هذه القضية لأن القرار «القادم» ستوضح به مسائل كثيرة وتحسم به مسائل أكثر.

[email protected]