الحدود في مواجهة الإرهاب

TT

بعد الهزيمة المروعة في فيتنام، تمكنت الولايات المتحدة من التوقف والرحيل بأقل التبعات المحتملة من أجل مصالحها القومية الحقيقية. وتكرر الأمر ذاته مع البريطانيين في شبه الجزيرة والفرنسيين في الجزائر. ولكن، ليست لدى الغرب، وأعني في الواقع العالم المتحضر بأسره، هذه النظرة إزاء أفغانستان وباكستان. وإذا سُمح لطالبان و«القاعدة» بتحقيق انتصار في منطقتنا، فإن تحالفهما الذي يخلق عدم استقرار سوف ينتشر داخل القارات جميعها.

وفي باكستان اليوم، يجب أن تنجح الديمقراطية، ويجب أن تختفي قوى التطرف. ولا يعد الفشل خيارا مطروحا بالنسبة لنا ولا للعالم.

والسؤال هو: كيف يمكن أن نضمن أن تهزم قوى الحرية قوى التعصب؟

المشاكل التي أزكت التطرف لها صور متعددة، ولذا تكون الحلول متعددة الأبعاد بنفس الصورة. ونحتاج إلى استراتيجيات على المدى القصير والبعيد، ويجب أن ندرك أنه لإزالة التهديد الإرهابي، يجب أن ننجح عسكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

وقد كان الغرب، وكانت الولايات المتحدة نموذجا واضحا جدا، مستعدا كثيرا لأن يغض الطرف عن الدكتاتوريين في سعيه من أجل تحقيق أهداف قصيرة المدى. وأدت هذه السياسات وتبعاتها إلى اضطرابات داخل المعمورة، بدءا من نظام ماركوس في الفلبين إلى الشاه في إيران إلى محمد ضياء الحق وبرويز مشرف في باكستان. ودائما، تثبت كل حالة أن الاستراتيجيات ضيقة الأفق التي تضحي بالمبادئ تفضي إلى تبعات غير متوقعة على المدى الطويل.

واسمحوا لي بالتركيز على باكستان. لم يحرك الغرب ساكنا عندما قامت دكتاتورية عسكرية بالإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيا في نهاية السبعينات. واستخدم الغرب بلادي كأداة في الحرب الباردة بسبب الغزو السوفياتي لأفغانستان. وعزز الغرب من دكتاتورية الجنرال ضياء التي توحشت ضد المواطنين وقوضت من أحزابنا السياسية، وقتلت رئيس الوزراء الذي أسس الحزب السياسي الأكبر في باكستان ودمرت الصحافة والمجتمع المدني. وبمجرد أن هزم السوفيات، رحل الأميركيون وتركوا وراءهم فراغا سياسيا أدى في النهاية إلى طلبنة أفغانستان وصبغها بصبغة راديكالية، وظهور «القاعدة» وعصيان جهادي مسلح داخل باكستان. وتشتمل مافيا الهيروين، التي ظهرت نتيجة للجهود التي هدفت إضعاف الاتحاد السوفياتي، حاليا على 5 مليارات دولار سنويا، أي ضعف ميزانية جيشنا وشرطتنا. وهذا هو الثمن الذي تستمر باكستان في دفعه.

لا تنجح موافقة الدكتاتوريين مطلقا. وبصراحة، فإن الديمقراطية الأسوأ ستكون أفضل من أي دكتاتورية، حيث تفرز الدكتاتورية إحباطا وتطرفا وإرهابا. ولكن، حدث ما حدث، ولا يمكننا تغييره. ومع ذلك، يمكننا معالجة تبعات أخطاء الماضي وضمان عدم تكرراها.

وأهدف في القريب العاجل أن يتحالف العالم المتحضر من أجل دعم الديمقراطية الباكستانية وكفاح الشعب الباكستاني ضد التطرف. وفي المعركة التي تقام ضد التطرف الدولي، فإننا داخل الخنادق من أجلنا ومن أجل العالم. لقد خسرنا المزيد من الجنود، 1200 جندي، في قتال طالبان في باكستان وهو عدد أكبر مما فقدته دول الناتو مجتمعة في القتال ضد طالبان في أفغانستان. ومات الآلاف من المدنيين، ضحايا هجمات مثل التفجير الذي وقع مؤخرا في فندق بيرل كونتيننتال في بيشاور.

وعلى مستواي الشخصي، خسرت زوجتي، بي نظير بوتو، أم أولادي والزعيمة الباكستانية العظيمة. لقد حذرت العالم، في خطاباتها وكتاباتها، وفي كتابها الأخير وكلماتها الأخيرة، من أن التطرف يمثل تهديدا لجميع الشعوب، وأن الدكتاتورية هي التي أدت إلى انتشاره داخل باكستان، وأن بلادي يجب أن تستيقظ وأن العالم يجب أن ينتبه. ودفعت حياتها ثمن إصرارها وشجاعتها، وعلي أن أوضح للأجيال القادمة ولأولادي أنها لم تمت سدى.

نحتاج إلى المساعدة، وتعترف إدارة أوباما بأن احتواء التهديد الإرهابي يمكن تحقيقه فقط عن طريق باكستان قادرة اقتصاديا. وقد التزمت الولايات المتحدة بـ1.5 مليار دولار سنويا لمدة خمسة أعوام للمساعدة في تحقيق الاستقرار داخل اقتصادنا، وعمل مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بصورة جدية من أجل إعادة توجيه العلاقات الأميركية ـ الباكستانية تجاه تحالف عسكري وشراكة اقتصادية مستدامة.

وفي الوقت الحالي، يجب أن يقف باقي العالم وأن يباري الجهد الأميركي. وتحتاج باكستان إلى حزمة مساعدات قوية حتى يمكننا توجيهها للشعب وهزيمة المسلحين. ومرة أخرى يجب على باقي العالم أن يقتفي أثر المبادرة الأميركية ومساعدتنا على التعامل مع ملايين من النازحين المحليين الذين يعدون آخر الضحايا للإرهاب في بلدنا. ولكن، المساعدات ليست كافية. فعلى المدى الطويل تحتاج باكستان إلى التجارة لمساعدتنا على أن نكون مستقلين اقتصاديا. وسوف يساعد النشاط الاقتصادي باكستان على أن تحتوي التعصب وأن تثبت لـ1.5 مليار مسلم في مختلف أنحاء العالم أن الديمقراطية والتقدم الاقتصادي يسيران جنبا إلى جنب. ومن الواضح أن الولايات المتحدة تتحرك للأمام صوب مناطق فرص إقليمية داخل أفغانستان ومنطقة القبائل الباكستانية التي تخضع للحكم الفيدرالي سوف تزيل القيود التجارية وتقدم حوافز اقتصادية لبناء مصانع وبدء صناعات وتوظيف عمال وتعطي أملا للمواطنين. ويجب أن يكون مبدأ منطقة الفرص الإقليمية نموذجا لأوروبا أيضا. ويجب على أوروبا أن تدرك أن ذلك لصالحها، مثلما أدركت الولايات المتحدة، كي تقوم بكل ما هو ممكن من أجل تنمية الاقتصاد الباكستاني وتقديم حوافز للصادرات الباكستانية في القارة.

جابت زوجتي العالم تروج للديمقراطية بينما كان يجب أن يكون مناصروها هم الأعلى صوتا. وكانت أبواب كثير من الحكومات الغربية موصدة أمامها، ولكنها لم تنثن. وكان يحدوها إصرار في عاطفتها من أجل الديمقراطية وتفاؤل لا يضعف إزاء تحقيق النجاح في نهاية المطاف. وكما هو معروف، قالت إن «الحقيقة والعدالة وقوى التاريخ في جانبنا».

واليوم، سوف نرى إذا ما كانت أميركا والغرب معنا أيضا.

* رئيس باكستان

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»