سعد فكرة وليس مشروعاً

TT

منذ اغتيال والده رفيق الحريري، ودخوله المعترك السياسي في لبنان كان دائما ما تصاحب اسم سعد الحريري عبارات من نوعية «الشاب.. المدعوم.. قليل الخبرة.. المرفه.. الذي لا يرد على السلاح بالسلاح»، وكلها للتقليل منه.

ولم تكن تلك عبارات تصدر من خصومه السياسيين وحسب، بل ومن مَن يندرجون تحت فئة ظلم ذوي القربى، كما يقول الشاعر العربي. لكن اليوم، وبعد قرابة الأربع سنوات أصبح سعد الحريري هو دولة رئيس الوزراء اللبناني.

سعد ليس نبيه بري الذي ستكون أعظم إنجازاته، بل كل المطلوب منه في الأربع سنوات المقبلة أن لا يغلق البرلمان. كما أن سعد ليس ميشال عون، طالب الولاية، أو حسن نصر الله، ذاك الإلهي، الذي يوحى إليه من طهران.

فسعد ليس مشروعاً سياسياً، بل فكرة. جاء في لحظة خروج المحتل السوري من لبنان، ودخل المعترك السياسي في وسط موجة عاتية من الاغتيالات السياسية في بلاده، ولم يعبر لبنان تلك الموجة العاتية حتى دخل في مغامرة جديدة. فيومها جاءت مغامرة بن نصر الله في صيف 2006 التي نتجت عنها حرب إسرائيلية دمرت لبنان، الذي خرج منها بدعم عربي ودولي، سواء سياسياً أو مالياً. إلا أن مصائب لبنان لا تنتهي، حيث دخل البلد، وسعد، في ورطة أخرى. فقد وجد سعد الحريري نفسه، وأبناء طائفته، وحلفاءه، تحت الاحتلال الجديد، احتلال حزب الله للعاصمة بيروت. كان منزل سعد تحت الحصار، ومثله أهل بيروت، ويومها قيل ألم نقل لكم إنه قليل الخبرة والشجاعة.. أين أمواله، وأين سلاحه؟ وأين علاقاته حيث لم يهب أحد لنجدتنا، أو نجدته، ولو كان رفيق موجوداً لما حدث ما حدث؟ يومها تناسى الكثيرون أن الراحل رفيق الحريري قتل غدراً، واليوم الدور على كل من يمثل خطه.

خرج سعد من تحت ذلك الاحتلال أقوى مما كان بكثير، وأكثر هدوءاً وإصراراً. سألته «الناس يقولون أين سلاحك؟ أين رجالك؟ كيف تركت بن نصر الله يفعل ما فعل في بيروت»؟ أجاب «هاجموني أنني أسلح، وآتي بالميليشيات، وبعد احتلال بيروت عادوا يهاجمونني أنني لا أمتلك السلاح». ويقول «اسمعني جيداً، لن أسلح، ولن أستخدم السلاح، مشروعي بناء دولة، لا بناء ميليشيا»، مضيفا «وعدت بالمحكمة الدولية، وأنجزت، ومعركتي الآن بناء الدولة».

واليوم بناء الدولة مشروعه، وهو رئيس الوزراء، وزعيم الأكثرية بلا منازع. إلا أن دولة الرئيس الحريري يأتي اليوم وبلاده والمنطقة في لحظة مفترق طرق تاريخية، كما صرح هو نفسه أمس، فإيران جاءها ما يشغلها، وجزء كبير من الكذب والخداع قد انكشف في منطقتنا، وأمام لبنان استحقاق المحكمة الدولية.

كما أننا أمام استحقاق السلام، ونحن شهود على تغيير كبير في خارطة التحالفات، على مستوى دول، أو جماعات أو ميليشيات، وأجمل ما في مرحلتنا اليوم أن اللعب بات على المكشوف، لكن السيئ هو أن الحياء ليس من قوانين اللعبة.

ولذا نقول المهم في وصول سعد الحريري لرئاسة الوزراء ليس انتصار فريق على آخر، بل انتصار فكرة سعد، وهي الدولة والبناء.   

[email protected]