هل بالغنا في التعامل مع إيران؟

TT

المثير للسخرية أننا في الإعلام نتهم بتضخيم الحديث عن أزمة طهران. التهمة الصحيحة هي أن هناك من قلل الحديث، وتقاعس عن أداء دوره بالصمت أو التستر أو تقليل المتابعة الإعلامية والتعليق عليها. التهمة يجب أن توجه للذين يريدون إطفاء الأنوار، وإسكات الإعلام حتى لا ينقل حقيقة الأحداث في إيران، وبالتالي يلام من يتعمد تجاهل أهم حدث في العالم وليس من ينقله. فوسائل الإعلام في أنحاء الدنيا وضعت كل إمكانياتها لمتابعة الجدل، والمظاهرات، والتطورات السياسية المرتبطة بهذا الحدث الخطير جدا، ردد ذلك الإعلام من البرازيل إلى ألمانيا إلى الصين، وهو الأمر الطبيعي في الشأن الإعلامي والسياسي. فالمنطقة لم تعرف حدثا سياسيا مثله بملامح خطيرة على كل المنطقة منذ غزو العراق، ومن الطبيعي أن يقف العالم على أطراف أصابع قدميه متابعا ومعلقا، وهذا ما جعل الحكومات العربية والغربية في حالة استنفار على مدار الساعة ترصد ما يدور في طهران.

نحن لم نبالغ ولم نستعد بل كان نقلا ونقاشا عفويا لأنه لم يدر بخلد احد منا على الإطلاق أن تنتهي الانتخابات الإيرانية إلى هذا النزاع الحاد ونزول الغاضبين من مئات الآلاف في خمس مدن إيرانية إلى الشارع ينددون بسرقة أصواتهم ويعلنون العصيان، ثم يخرج المعسكر الآخر أتباعه في مظاهرات مهددة، ويضطر المرشد الأعلى للتدخل علانية في الحدث، وتصبح إيران كلها في أزمة وتتجاوز حدودها، ويطرد دبلوماسيون، ويتدخل الحرس الثوري، وتسيل الدماء في المواجهات. هذا حدث لا يمكن أن يقارن ببقية أحداث المنطقة، لأن إيران أولا دولة مهمة، والصراع على الحكم فيها ينعكس على نزاعات إقليمية متعددة ودولية أيضا.

الطبيعي والمألوف في هذه التطورات الخطيرة أن يستنفر الإعلام إمكانياته لنقل ما يحدث، لأنه شأن يهم الناس العاديين كما يهم الحكومات في المنطقة وكثيرا من دول العالم. ما يحدث في إيران أمر يؤثر على مصائر في العراق ولبنان وفلسطين والأردن ومصر والخليج واليمن وباكستان وأفغانستان، فكيف يعقل أن نختصره، وننصرف إلى الأحداث المملة في منطقتنا؟

بالتأكيد لم نبالغ، بل نعتبر أننا قمنا بالحد الأدنى الممكن بسبب التضييق والملاحقة الذي منع الكثير من المعارضين من أن يتحدثوا إلى الإعلام في الأسبوع الثاني من الأزمة. السؤال الصحيح لماذا سعى البعض إلى التقليل من الحدث إلا لأنهم قلقون مما يحدث كونهم طرفا، والبعض الآخر يريد المحافظة على صورة إيران أنها جمهورية إسلامية لا يوجد فيها غش أو نزاع أو تسلط أو معارضة واسعة أو قتال على السلطة. هذه المجاميع الإعلامية والسياسية تتصرف مثل دول أوروبا الشرقية في بدايات أزمة الحكم في الاتحاد السوفييتي، وذلك بالإصرار على أن ما يقال مجرد دعاية غربية.

[email protected]