نظام الملالي.. وانتفاضة الشارع

TT

ما جرى في شوارع طهران مؤخرا ليس سوى درس فيما يصنع التاريخ: ليست البنادق ولا الشرطة السرية، ولكنها رغبة مئات الآلاف من الأشخاص في المجازفة بأرواحهم للاحتجاج على الظلم. هذا هو ما أطاح بالشاه عام 1979 وهو ما يهز الملالي حاليا.

تلك هي السياسة في أوضح صورها ـ مواطنون عزل يتحدون جنودا يحملون السلاح ـ وتلك هي الأدوات التي تصنع بها الثورات. ويستحيل التنبؤ بما إذا كان ذلك سينجح في إيران، ولكن الحركة وضعت نظاما مفرط الثقة بنفسه على حبل المشنقة.

ولإدراك سر خوف النظام، يجب عليك أن تسأل نفسك هذا السؤال: كم كان عدد علماء الذرة الإيرانيين أو أقربائهم أو أبناء عمومتهم بين المتظاهرين في المسيرات التي امتدت على نحو ميل في شارع ولي العصر؟ وقد قرأنا عن الابنة الكبرى للمرشح الرئاسي المعارض مير حسين موسوي عالمة المجال النووي لكن كم عدد الآخرين؟

وكم عدد المستاءين من الحرس الثوري والمحاربين القدماء؟

لا أحد يعلم وتلك هي النقطة. يجب على النظام أن يخشى تلك القوى التي أطلقها، وكلما هاجم شعبه زادت عرضته للمخاطر.

وإذا ما تراجعت خطوة للوراء يمكنك أن ترى حالة اهتياج مشابه عبر العالم الإسلامي هذه الأيام، فقد عانت الأحزاب الإسلامية وحلفاؤها من انتكاسات انتخابية خلال الأعوام العديدة الماضية في الجزائر والعراق والأردن والكويت ولبنان والمغرب وباكستان. كما نفّرت «القاعدة» مناصرين سابقين في كل مكان حاولت أن تثبت فيه جذورها.

ويختلف السبب وراء تلك الانتكاسات السياسية من مكان إلى آخر، ففي بعض البلدان تجاوز الإسلاميون وتسببوا في انتكاسة شعبية وفي بعض الدول الأخرى كان ينظر إليهم على أنهم جبناء وفاسدون. لكن هناك فكرة رئيسية عبرت عنها مارينا أوتاواي، مديرة برنامج الشرق الأوسط في منحة كارنيغي للسلام الدولي.

كان الرئيس أوباما على صواب عندما تحدث بحرص شديد عن أحداث إيران خلال الأسبوع الأول من الاحتجاج، لكن كان هو الوقت المناسب كي يعبر عن تضامنه مع الإيرانيين الذين ينزلون بجرأة إلى الشوارع كل يوم. وبإمكانه القيام بذلك دون أن يبدو شخصا يتدخل فيما لا يعنيه إذا ما انتقى كلماته بحكمة.

ويجب على أوباما أن يستحث الرغبة الإيرانية للعدالة التي كانت فكرة قوية للثورة. ويجب عليه أن يذكر تاريخ إيران الثري بالإصلاح السياسي والعودة إلى كورش الكبير الذي نقش إعلانه الخاص بدعائم الحكم الجيد على اسطوانة كورش عام 539 قبل الميلاد. كما يجب عليه أن يذكر الدستور الإيراني لعام 1906 الذي أرسى الانتخابات والحريات الأساسية. الديمقراطية ليست فرضا أميركيا بل تقليدا إيرانيا.

ويقول كريم صادق إدبور من معهد كارنيغي والمستشار غير الرسمي للبيت الأبيض: «يجب علينا أن نكون على الجانب الصحيح من التاريخ هنا»، لكنه حذر من أننا «إذا حاولنا فرض أنفسنا في الدراما الداخلية الإيرانية القائمة الآن فإننا بذلك نشوه سمعة أولئك الذين نحاول دعمهم».

يجب على أجندة أوباما الداعية إلى الارتباط بإيران أن تتوقف في الوقت الراهن، وألا يتخلى عن عرض المحادثات لكن عليه أن ينتظر، وأن ندع الإيرانيين يلهثون وراء الغرب لبعض الوقت فهم من يحتاجون إلى الشرعية الآن.

وأكبر هدية يمكن أن يقدمها الغرب للشعب الإيراني الآن هو الحفاظ على خطوط اتصالات مفتوحة، فالنظام يرغب في وقف التغطية الإعلامية الغربية ومواقع الإنترنت. وبإمكان الولايات المتحدة وحلفائها مواجهة هذا التعتيم، عبر توفير تلك المواقع عبر الأقمار الصناعية أو عبر أدوات نقل على الحدود العراقية الإيرانية من البصرة إلى السليمانية. وإذا ما استمر العالم في المتابعة فسوف يزداد المحتجون جرأة وسوف يهتز عرش الملالي.

لقد بدأ كابوس النظام في التحقق اليوم، وخلال الأعوام القليلة الماضية أبدى القادة الإيرانيون قلقهم من «ثورة ملونة» على غرار جورجيا وأوكرانيا. وقد وقع ما كانت تخشاه. يواجه الملالي ورطة وإذا ما قدموا تنازلات فسوف يبدون ضعفاء وإذا ما حاولوا فرض إجراءات تعسفية فربما يستثيرون الحركة أكثر وأكثر وهو ذات الاختيار الذي واجهه الشاه وشرطته السرية عامي 1978 و1979.

الحقيقة المؤكدة هنا أن القادة الإيرانيين القمعيين أساءوا تقدير الأمور فقد تسببوا بتلاعبهم في نتائج الانتخابات في إثارة حركة شعبية. ويصوت الإيرانيون الآن بأقدامهم ودمائهم، ويلقي النظام باللائمة على التدخل الغربي. يجب أن يكون محظوظا جدا. وهذا حقيقي.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»