أمران لا يستتران: موت الغني وخطأ الفقير

TT

كان والدي البحار الأمي البسيط يردد على مسامعنا صغارا حكمته الشهيرة: «أمران لا يستتران: موت الغني وخطأ الفقير»، فالفقير إن سولت له نفسه ارتكاب أي خطأ فإنه سرعان ما ينكشف أمره، ويفتضح سره، وينتهك ستره، وعكسه الثري الذي لديه مختلف الوسائل لاتقاء عيون الناس أو تحييدها، لكن مسألة موت الثري تستعصي على السرية والكتمان، فسرعان ما يذاع الخبر ويشاع.

قبل بضعة أشهر مات صديقي الفقير، فلم يعلم بخبر موته سوى تسعة من أصدقائه ذهبنا لتشييعه، وعلى باب المقبرة كانت جنازة أخرى لشخص «مهم» تبعها الآلاف، وحينما تجاوزنا بوابة المقبرة إلى الداخل اختلط على بعض السائرين أي نعش يتبعون، فتحلق حول قبر صديقي الفقير المئات يعزون، ويدعون له بالرحمة والمغفرة، وكان صديقي طوال حياته يعيش ـ رغم فقره ـ حياة «اللوردات»، فلا تراه إلا شامخا، متدثرا بكل ثياب العيد، وكان جديرا بهذه النهاية التي تحلق فيها حول قبره ذلك العدد الكبير من الوجهاء والأعيان.

ولو كان والدي على قيد الحياة فلربما أجرى تعديلا على نص حكمته يضيف فيها موت كبار نجوم الفن إلى موت الأثرياء، فموت النجوم يشكل زلزالا لدى معجبيهم كالزلزال الذي أحدثه موت مايكل جاكسون مساء الخميس الماضي، ففي الساعة الأولى من وفاته انتشر الخبر في كل قارات الدنيا، وفرض الحدث نفسه على نشرات الأخبار، ومنتديات الإنترنت، ودخل خبر موته قسرا إلى كل البيوت، ومسامع الناس، وأفردت الصحافة آلاف الصفحات التي تناقش سيرته ومسيرته، وصحته ومرضه، وثراءه وإفلاسه، وعلمت عنه بعد وفاته ما لم أعلمه عنه طوال حياته، وما يلفت النظر العلاقة النفسية الخاصة التي ربطته بمسار سلفه ملك البوب السابق «ألفيس بريسلي»، حتى أنه تزوج من ابنته، وسار على خطاه في العزلة، والنزعة الطفولية، وتحويل مقار سكنه إلى عالم من الأسرار، وصولا إلى الموت المبكر بفارق ثماني سنوات بين الاثنين في عمر الرحيل، فمايكل جاكسون مات في الخمسين من عمره، بينما مات ألفيس بريسلي في عمر الـ42 عاما، وكلاهما سيظل بعد موته ـ بالنسبة لمعجبيهما ـ رمزا يعيش في دواخلهم إلى آخر العمر.

وهذه الخاصية التي يتسم بها رحيل الفنان النجم ليست حكرا على الغرب، بل هي أمر مشاع، له نظيره على المستوى العربي والمحلي، متمثلا في موت عبد الحليم حافظ، وسعاد حسني، وطلال مداح، وما صاحب موتهم من تغطيات إعلامية، وأحزان جماهيرية امتد الاهتمام بها إلى خارج دوائر معجبيهم.

إنه الموت ـ خاتمة الدنيا ـ الذي لا يستطيع أن يهرب منه الثري والمعدم، والمشهور والمغمور.

«كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حدباء محمول»

[email protected]