مدرسة عماد الدين أديب

TT

عمل عماد الدين أديب لفترة في الصحافة المكتوبة، حقق خلالها نجاحا معروفا. لكنه عندما انتقل إلى التلفزيون تجاوز مقاييس النجاح والفشل، وأحدث في هذه المهنة البالغة الدقة نموذجا مهما وفائق الاعتبار، ورفع من مستوى المقابلة السياسية أو الفنية أو العادية. وفيما ظن التلفزيونيون والتلفزيونيات العرب أن مقياس النجاح هو التواقح على الضيف ومقاطعته والهزء منه واضطهاده عن طريق طرح السؤال ثم التكرم بالإجابة عنه، جعل هو مستوى الألمعية في الاختفاء والذوبان وترك الضوء للضيف والصوت للضيف والرأي للضيف.

وبينما اعتقد بعض الصحافيين أن النجاح في أن يكون صاحب البرنامج متوترا، كثير الحركات، يقفز أكثر مما يجلس، ويحكي أكثر مما يسمع، وينط مثل الجندب علامة الذكاء الخارق، حوّل عماد فن المقابلة إلى هدوء وتكريم للضيف ومخاطبته بأدب شديد وصوت خفيض والظهور أمامه بمظهر السائل الذي لا يعرف شيئا، وهو هنا فقط ليعرف وينقل المعرفة إلى السامعين.

وكان عماد يخاطب السامعين، ومن دون أي مبالغة، كما يخاطب اليابانيون الإمبراطور، ويلغي نفسه ورأيه وموقعه تاركا لهم الأحكام. وكنت ولا أزال أفضّل القراءة على التلفزيون، لكنني أدمنت يوميا برنامج عماد. وفوجئت أن زوجتي التي تنام في الثامنة إلا عشرا لكي لا تسمع نشرة الأخبار، صارت تسهر لكي تتابع عماد يدير برنامجا في الحدث أو في التاريخ أو في الطب أو في الدين أو في الزواج والطلاق.

وكان عماد يبث برنامجه من القاهرة ومعظم المواضيع كانت مصرية الطابع، لكنه أعاد إلى العرب عادة الاهتمام بشؤون مصر وقضايا مصر، ليس فقط من خلال المسلسلات والوجوه الفنية الراقية والآسرة، بل أصبح هو نجما تسهر له الناس ولو أنه لا يمثل ولا يغني ولا يحرك قامته الضخمة إلا ليقول لمشاهد: حاضر سيادتك، إنما لو سمحت لي... وفي البلدان العربية لاحظت أن كبار المسؤولين يتابعون عماد. بعضهم رأى حلقة ويريد العودة إليها، وآخر لم يشاهد حلقة سمع عنها كثيرا. وكنت أعتذر بصدق لأنني مجرد مشاهد آخر. لم يكتمل عمل عماد الدين أديب عندما أوقف برنامجه في «أوربت»، فقد كان يقتضي أن يفتح مدرسة لتعليم فن وأصول وآداب وقواعد المقابلة التلفزيونية. ولو فعل لربما دخل إلى تلك المدرسة ـ أو أدخل ـ السيد عمرو أديب.