تعاملوا مع إيران من دون أحمدي نجاد

TT

إن ما يدور في إيران هذه الأيام يستدعي إلى الأذهان وصف وينستون تشرشل روسيا بـ«لغز مغلف بلغز داخل أحجية».

وربما يسفر العصيان الديمقراطي الذي تجري وقائعه في طهران الآن عن عواقب أكثر مأساوية مما شهدناه إثر قيام ثورة عام 1979، لكن ليس بمقدور أحد القول على سبيل التأكيد الصورة التي يمكن أن تتوحد بها مراكز القوى المتعددة للنظام، التحالف في نهاية أكثر أزمة للشرعية خطورة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

على الرغم من أن الرئيس باراك أوباما يواجه، على المدى القريب، عددا من الخيارات المسمومة: إما اجتناب النظام الحاكم في إيران والتشدد في موقفه وقيادة مسيرة النزاع مع معه، أو المضي قدما في تنفيذ هدفه المعلن للحوار مع حكومة أحمدي نجاد وتقديم اعتراف ضمني لمغتصب للسلطة. إلا أن هناك خيارا ثالثا، يضمن لأميركا مكانتها الفريدة في المستقبل الإيراني ويعزز من مصالح أمننا القومي بصورة تتفق وقيمنا، وهو «تجاهل أحمدي نجاد».

وقد حملت الأيام الأخيرة رسالتين متضادتين على نحو بالغ من الأهمية، أولهما: ثورة خضراء من مواطنين تواقين إلى مزيد من الحرية والانفتاح على الغرب تبنت أفكار رسالة مير حسين موسوي الإصلاحية وكذبت الصورة الكاريكاتورية لإيران التي صورتها بالراغبة في القيام بحملة إبادة جماعية ضد العالم الخارجي. الثانية ممثل سفاح مألوف لأكثر عناصر النظام رجعية مزج رغبة متواصلة للطبقات الدنيا في إيران بتلاعب واضح في فرز الأصوات لضمان الحصول على أربع سنوات أخرى من القيادة المولعة بالقتال.

ومن ثم يجب على أوباما أن يبني رده على طهران على الرسالة الأولى القادمة من الشعب الإيراني وأن ينبذ الثانية. بيد أنه يلزم الولايات المتحدة قبل الشروع في تنفيذ تلك السياسة التخلي عن رغبتها الشديدة في النفوذ عندما يتعلق الأمر بإيران. فالمخاوف من أن يثير أي تصريح بالدعم صادر عن الولايات المتحدة الامتعاض تجاه التدخل الأجنبي تشير إلى أن الإيرانيين غير قادرين على التمييز بين عدوهم وحليف تطلعاتهم الديمقراطية.

الأمر الأكثر أهمية هو أنه نتيجة لعدم الثقة تلك لا تدرك إيران أن الولايات المتحدة مكون لا غني عنه في عملية إيجاد حل سلمي للتحدي الأمني الذي تشكله إيران. في الوقت ذاته الذي تخشى فيه واشنطن من «التورط»، فالحقيقة هي أنه لا يوجد جانب آخر يرغب الإيرانيون في التحدث إليه غيرها، ليسوا الإيرانيين الذين ينظرون للعالم الخارجي على أنه مرادف لأميركا ولا النظام الإيراني الذي ينظر إلى المفاوضات مع القوى الأخرى على أنها تكرار للاجتماع بـ«الشيطان الأكبر». أما خيار «تجاهل نجاد» فيحمل نهجا ثنائي الهدف يعترف بالتطلعات الديمقراطية التي أظهرها الشعب الإيراني إضافة إلى المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى. كما تتنكر للدور البطولي لمحمود أحمدي نجاد المعارض لوجود الولايات المتحدة على الساحة الدولية خلال الأعوام المقبلة. لذا يجب على الإدارة أولا: تقديم اعتراف واضح بالحركة الشعبية الإيرانية المطالبة بمزيد من الحرية والانفتاح وإدانة فرض إجراءات تعسفية. وسواء برز «تأثير أوباما» على الشارع الإيراني خلال الأيام القليلة الماضية أم لا، فإن ذلك ليس بالأمر المهم، لكن المهم أنه بعد انقضاء 30 عاما على الثورة تبدلت الهتافات من «الموت لأميركا» إلى «الموت للدكتاتور» وهو تغير يتردد صداه في شوارع العاصمة وهو ما يجعل الرئيس الأميركي موضع تكريم لا شك.

ثانيا: يجب على الإدارة أن تترجم موافقة آية الله علي خامنئي على «انتصار» أحمدي نجاد على أنها تأكيد ـ إذا ما كانت هناك حاجة لذلك ـ بأن المرشد الأعلى هو القوة الأهم في إيران وأنه هو الشخص الذي يجب أن يجرى معه حوار استراتيجي. كما أن تحمل مضايقات أحمدي نجاد لأربع سنوات مقبلة لن يكون مثمرا وغير ضروري. ولقد حاولت إدارة أوباما بالفعل تجربة استكشاف عدد من الوسائل لإقامة خط اتصال مع خامنئي. ومن خلال الوسطاء الموثوق بهم والدبلوماسية واسعة الأفق تتوافر الفرص لإقامة حوار مباشر مع المرشد الأعلى التي يجب اغتنامها.

ستكون العناصر الرئيسة لتلك المفاوضات معروفة جدا وهي: إقناع إيران بعدم تسليح برنامجها النووي، وحث حلفائها في حماس وحزب الله على تحقيق أهدافهما عبر الوسائل السياسية وليس العسكرية، وفي المقابل يمكن لإيران التطلع لدور شرعي في الأمن الإقليمي، وتندمج بمرور الوقت مرة أخرى في المجتمع الدولي. بات من الجلي الآن، كما هي الحال قبل تصويت الأسبوع الماضي، أن مثل ذلك الحوار الاستراتيجي، على الرغم من تمثيله تحديا، سيكون الأفضل أن يبدأ بالمناطق ذات الاهتمام المشترك ـ مثل باكستان وأفغانستان والعراق ـ على عكس النزاع النووي. وإذا كانت القدرات النووية لإيران محاطة بالسرية اليوم، فإن نوايا أهلها بشأن مستقبل أوسع من الحرية وتكامل سلمي مع العالم لم تكن أوضح مما هي عليه اليوم.

ولقد أضاف تشرشل سطرا نادرا ما يقتبس لملاحظته بشأن روسيا بعد أن وصفها بالأحجية. فقال: «ربما يكون هناك حل، وهذا الحل هو المصلحة القومية الروسية». ربما تنطبق الملاحظة ذاتها على إيران والولايات المتحدة بهذا الخصوص. والسياسة الأميركية المتأنية التي تنتقص من أهمية أحمدي نجاد لصالح تقديم دعم قوي للقوى الديمقراطية في الدولة على المستوى الشعبي والمفاوضات الثنائية المباشرة مع المرشد الأعلى على المستوى الاستراتيجي لديها فرصة أفضل لخلق مساحة دبلوماسية يمكن من خلالها التعامل مع المصالح الاستراتيجية الأولية للبلدين بصورة سلمية.

*مساعد خاص للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في الفترة بين عامي 1997 و2003 وزميل استشاري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»