الذين يبذرون الملح بدلا من القمح!

TT

أشهر علماء الرياضيات ابن الهيثم جاء إلى مصر، ولديه فكرة. الفكرة هي أن ينظم مياه النيل. وفرح الحكام في مصر؛ وأجزلوا له العطاء. وذهب ابن الهيثم إلى صعيد مصر.. ووصل إلى أسوان، وإلى الشلالات. ووقف ورأى.. ثم أخفى وجهه في يديه خجلا، لأن مشروعه قد حققه المصريون على صورة أفضل مما كان يتخيل. وانزوى، وانطوى.. ولكن الحاكم أدركه وعطف عليه، وقال له «ومَنْ الذي لا يخطئ؟!»

ولكن ابن الهيثم أحس بفشل وهزيمة وخيبة أمل. وانسدت نفسه عن العمل الذي كان يمارسه، وهو نسخ الكتب الرياضية القديمة، وخاصة كتب الإغريق: افليدس، وأرسطو. وهى نفس المهنة التي كان يحترفها الكاتب الفرنسي ديماس الابن. كان خطه جميلا، وكان الكثير من رجال القانون والإدارة يطلبون منه نسخ الكتب التي يريدونها. وكان يفعل؛ ويكسب..

وتغير الحاكم. وأحس ابن الهيثم أنه لا يستطيع في ظل هذا الحاكم الظالم الدموي أن يعمل شيئا، فتظاهر بالجنون: يكلم نفسه، ويندهش إذا رأى الناس، وإذا تكلم تلعثم. وأيقن الناس أن الرجل فقد عقله، وقالوا إنها نهاية العبقرية..

وتشاء الصدفة أن يموت هذا الحاكم، فارتد ابن الهيثم إلى عقله، وراح يحاضر ويشرح، وتوقف عن النسخ. وقد حدث ذلك في الأساطير الإغريقية أن عوليس بطل الإلياذة وأحد محبي السلام عندما طلبوا إليه أن يذهب للقتال، راح يبذر الملح بدلا من القمح، وراح يحرث في البحر؛ فقالوا «مجنون». ولما انتهت الحرب، عاد إلى عقله..

تماما مثل ابن الهيثم الذي رفض أن يعمل تحت حاكم مصاصي دماء المصريين!.