معركة كسب العقول والقلوب في باكستان

TT

كانت باكستان محط اهتمام دولي، حتى قبل انفجار فندق بيرل كونتننتال، الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 16 شخصا في بيشاور. وعلى الرغم من القلق بشأن الإرهاب وقف العالم يرقب محنة ما يزيد على 2.4 مليون شخص هربوا من إقليم وادي سوات، حيث يهاجم الجيش الباكستاني للمرة الأولى بصورة جدية، دون أن يحرك ساكنا.

وما لم يتم الاهتمام بالنازحين من مناطق القتال بصورة ملائمة، فإن الرأي العام الذي تحول بصورة دراماتيكية في الأسابيع الأخيرة لدعم الهجمات ضد طالبان، يمكن أن يتحول إلى مناصرة الخصوم.

وشنت طالبان سلسلة من الهجمات الانتحارية لإلهاء القوى الأمنية، وبث الخوف في روع الرأي العام. وقد أشارت التقارير إلى أن الشاحنة المفخخة التي انفجرت في بيشاور، العاصمة الإقليمية لشمال غرب باكستان، أسفرت عن إصابة 70 شخصا.

ويشير مسؤولو الأمم المتحدة، إلى أن النزوح الجماعي لأهالي سوات من مناطق القتال إلى السهول الجنوبية أكبر وأسرع نزوح لمواطنين منذ المذابح العرقية في رواندا، منذ 15 عاما مضت. وقد فر معظم النازحين من وادي سوات خلال أسبوعين أو ثلاثة الشهر الماضي.

على الرغم من الاستجابة المضطربة للحكومة، فإن المواطنين الباكستانيين تصرفوا بصورة جماعية، وحملوا الشاحنات في كراتشي ولاهور بالقمح والسكر والمراوح الكهربائية والبطاطين وأرسلوها إلى مدن الشمال، مثل ماردان في إقليم الحدود الشمالي الغربي مركز الأزمة. بيد أن جهودهم تبدو ضئيلة بالمقارنة بفداحة الكارثة الإنسانية.

وقد كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، الرئيس الوحيد على مستوى العالم الذي أبدى اهتماما بالنازحين من المدنيين، حيث خصصت الولايات المتحدة مبلغ 110 مليون دولار إضافة إلى 200 مليون أخرى بعد إعادة ريتشارد هولبروك، تقييم الوضع مؤخرا.

وقد انتقد هولبروك أوروبا بقسوة على تقصيرها في دعم النازحين، وسعى لزيادة التمويلات من العالم العربي، الذي لم يتفاعل مع الكارثة الباكستانية. وتقول إسلام آباد، إن أيا من الدول الأوروبية أو الإسلامية لم تسارع إلى تقديم مساعدات رئيسية.

وقد حذر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة من أن المنظمة قد تضطر إلى وقف كل خدماتها، بما فيها توزيع الغذاء، بحلول يوليو (تموز)، ما لم يتم الوفاء بطلبها 543 مليون للمساعدات العاجلة. ولم تقدم الدول المانحة بعد شهر من ذلك التهديد سوى 20 في المائة من ذلك المبلغ. وتشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر ـ وكالة المساعدات الوحيدة، التي تعمل بين المدنيين الذين أصيبوا جراء القتال، والمدنيين الذين بقوا في المدن المحطمة في سوات ـ إلى حاجتها إلى 38 مليون دولار، وهو ما سيضاعف من ميزانيتها لأفغانستان هذا العام.

هذا ولا تزال الكثير من القضايا على المحك من الناحية الإستراتيجية، فالقتال في سوات ليس قتالا ضد تطرف، بل هو معركة لكسب العقول والقلوب للأجيال المستقبلية. ويقول أحد مسؤولي الأمم المتحدة: «من الممكن تحول الدعم الشعبي الباكستاني للحملة ضد طالبان ومساعدة النازحين بسرعة، إذا لم تقدم المساعدات الدولية، علاوة على ذلك، فإن المدنيين النازحين المستاءين يمكن أن يصبحوا جنودا في صفوف طالبان و«القاعدة».»

وهو ما حدث بالفعل هنا، حيث ألقت قوات الشرطة القبض على أكثر من 50 من أتباع طالبان بين النازحين، الذين تخفوا بغرض التخفي أو إجبار الشباب على الإقدام على القيام بعمليات انتحارية. الأمر المثير للقلق أن الجمعيات الخيرية الدينية الباكستانية التي تعمل هنا هي منظمات متطرفة هي الأخرى، مثل فلاح إنسانيات، وجماعة عسكر طيبة المسلحة، التي نفذت مذبحة مومباي العام الماضي. كما تدعم جمعية فلاح إنسانيات «القاعدة» وطالبان. ومثل تلك الجماعات التي تتلقى دعما كبيرا من المتطرفين المتعاطفين معها في الخارج، لا يتوقع أن ينفذ منها المال في القريب العاجل.

ملامح الوضع الإنساني في المنطقة تبدو مزرية، فعشر النازحين فقط يعيشون في مخيمات لاجئين ملائمة، أما الباقون فقد استضافهم أقاربهم، أو يعيشون في الساحات الخاصة أو المنازل أو المساجد أو المدارس. ويعد كرم الضيافة الشعبي المذهل هذا جزءا من ثقافة البشتون التقليدية، لكنهم لن يستطيعوا الصمود إلى ما لانهاية. ونظرا لكون البشتون الجماعة العرقية الرئيسية في المنطقة، سعت طالبان ـ التي يتكون غالبية منتسبيها من البشتون ـ تشويه الثقافة البشتونية وتدميرها.

وقد ابتكر برنامج الغذاء العالمي أسلوبا ابتكاريا لإطعام النازحين، الذين يعيشون خارج المخيمات، حيث أقام البرنامج 25 مركزا إنسانيا على مقربة من المواطنين والعائلات، الذين سجلوا أسماءهم لدى الحكومة، لسهولة الحصول على إمدادات الغذاء.

ويقول ولفغانغ هربينغر، رئيس برنامج الغذاء العالمي في باكستان: «نحن نجلب الغذاء إلى حيث يوجد الأفراد، لا أن يحضر الأفراد إلى حيث يوجد الغذاء، لكن المخزون لدينا سينفد خلال أسابيع قليلة ما لم تنفذ الوعود الآن». ويعمل البرنامج على إطعام 2.1 مليون نازح، ويعاني من نقص يقدر بحوالي 60 في المائة من تكاليفه المقررة لشراء الغذاء.

التفكير في وضع مثل تلك المراكز على جانب وكالات المعونات الأخرى، التي تقدم المراوح الكهربائية وأدوات الطهي والإمدادات الأخرى، يمكن أن يكون ذا فائدة في مناطق القتال في أفغانستان، حيث تفتقد المساعدات الغذائية المدنية المباشرة.

إن المعارك الحقيقية ضد «القاعدة» وطالبان، التي ستخاض هذا الصيف، ستكون في باكستان بالقدر ذاته على ما هي عليه في أفغانستان. بيد أن تجاهل الأزمة الإنسانية كوسيلة لكسب العقول والقلوب، يجعل العالم كمن يسير وهو نائم نحو طريق الهزيمة.

*صحافي باكستاني، وزميل في مجلس الباسيفيك للسياسة الدولية، ومؤلف كتاب «التردي في الفوضى: الولايات المتحدة وفشل بناء الدولة في باكستان وأفغانستان ووسط آسيا»

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»