أين صوتي؟

TT

لقد كان ذلك هو السؤال الرئيسي في إيران خلال الأيام القليلة الماضية. وفي إيران، نستطيع أن نسمع الإيرانيين يرددون «الله أكبر» كل يوم في العاشرة مساء، بالإضافة إلى وجود مسيرات في طهران وكل المدن الكبرى مثل تبريز، أصفهان وشيراز.

ويرفع العديد من طلاب الجامعة أصواتهم مرددين شعارات مثل «أين صوتي؟» و«فليسقط الدكتاتور».

يبدو بالنسبة إليّ حاليا أن إيران قد انقسمت إلى بلدين مختلفين لهما رئيسان مختلفان، فمن ناحية، هناك أحمدي نجاد ومؤيدوه على رأسهم آية الله خامنئي والحرس الثوري والباسيج ومجلس صيانة الدستور.

ومن ناحية أخرى، نرى كل الإصلاحيين مثل خاتمي، ومير حسين موسوي ومهدي كروبي ومؤيديهم.

لقد كان 22 من خورداد يونيو (حزيران) احتفالية ضخمة في إيران، فقد شارك أكثر من 40 مليون شخص في الانتخابات ولكن النتيجة كانت غير مصدقة!

فقد كان العدد الضخم الذي أدلى بصوته في الانتخابات يريد التخلص من أحمدي نجاد، ولكن نتيجة الانتخابات جاءت لصالح الرئيس الحالي أحمدي نجاد، وكان من الصعب على كل من موسوي وكروبي بل وحتى رضائي أن يقبلوا ذلك التحول العنيف في الأحداث.

فعلى سبيل المثال، اشترك أكثر من عشرة آلاف إيراني في الانتخابات الإيرانية من بريطانيا. ولكي أدلي بصوتي، كان على أن أقف في الطابور نحو ثلاث ساعات في كينسنغتون. وقد سألت أحد أصدقائي الذي يعمل في السفارة الإيرانية حول النتيجة، فأجاب بأن أكثر من ثمانية آلاف صوتوا لصالح مير حسين موسوي.

على أية حال، فإنهم لم يسمحوا بإعلان نتائج لندن!

وقد أعلن مير حسين موسوي في حوار مع وسائل الإعلام أنه فاز بالانتخابات بناء على المعلومات التي حصل عليها من المدن الإيرانية كافة.

ومن جهة أخرى، أعلنت وزارة الشؤون الداخلية عن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات بنسبة 62% من الأصوات وجاء موسوي في المرتبة الثانية بنسبة 33% من الأصوات بينما حصل كروبي على أقل من 1% من الأصوات! وقد ميز ذلك الإعلان بداية قصة جديدة في إيران.

فقد أعلن آية الله خامنئي يوم السبت الموافق 13 يونيو (حزيران) بعد يوم واحد من الانتخابات أن النتيجة هي معجزة من السماء وأن على الإيرانيين الاحتفال بذلك اليوم العظيم.

وبكلمات أخرى، فقد ساند خامنئي أحمدي نجاد باعتباره الفائز في الانتخابات وكرئيس حصل على 24 مليون صوت، بالإضافة إلى أنه طالب المرشحين الآخرين بمساندة أحمدي نجاد!

والجميع يعرف أنه بعد كل انتخابات، يكون للمرشحين الخاسرين الحق في رفع شكاواهم إلى مجلس صيانة الدستور الذي يحقق بدوره فيها خلال عشرة أيام.

فلماذا إذن قال آية الله خامنئي هذه الكلمات بعد انتهاء الانتخابات بعشر ساعات فقط؟

ذلك سؤال مهم. فعندما يساند الانتخابات ويصفها بأنها معجزة إلهية، يصبح واضحا أنه على مجلس صيانة الدستور قبول حكمه. ويجب ملاحظة أن السيد خامنئي بنفسه يعيّن أعضاء مجلس صيانة الدستور.

وقد أعلن كل من موسوي وكروبي عن عدم قبولهما نتيجة الانتخابات المعلنة، فهم يؤمنون بحدوث عملية تزوير كبيرة بالانتخابات، ويقول كروبي إن ذلك هو بداية قصة طويلة جديدة!

ويبدو أن عملية التزوير كانت أمرا سهلا بالنسبة إلى حكومة إيران ولكنهم لم يكونوا مدركين أن البداية سوف تكون سهلة ولكن التحكم فيها سيكون أمرا صعبا.

فالآن تعاني إيران من فترة اضطراب عظيمة.

فأولا، بدأ الإيرانيون الذين لم يصدقوا نتيجة الانتخابات المعلنة (بصفة أساسية مؤيدو موسوي وكروبي) في إظهار احتجاجهم من خلال المسيرات غير المتوقعة في طهران وبعض المدن الأخرى في إيران، ويعتقد العديد من شهود العيان أن مسيرة طهران يوم الاثنين الموافق 15 يونيو (حزيران) كانت كبرى المسيرات في طهران منذ الثورة.

وقد أطلق الإصلاحيون على هذه المسيرة اسم «المسيرة الصامتة»، وقد أظهر الملايين من الإيرانيين عدم قبولهم لنتائج الانتخابات الرسمية، وكان شعارهم الأساسي في كل مكان «أين صوتي»؟

وقد ألقى آية الله خامنئي خطبة في صلاة الجمعة بجامعة طهران، لم يعلن فيها فقط عن مساندته للنتائج الرسمية للانتخابات ويدافع عن أحمدي نجاد بل إنه هدد الإصلاحيين ومرشحيهم، وأظهر بوضوح قبضته الحديدية. وكان ذلك هو ثاني خطأ استراتيجي يرتكبه. حيث يعني ذلك أنه قائد لقطاع محدد من الأمة، بل يمكننا القول إنه قائد أقلية. فقد كان واضحا أن معظم الإيرانيين غير المقتنعين بالنتائج الرسمية للانتخابات سوف يستمرون في الاحتجاجات والتظاهرات في شوارع طهران وغيرها من المدن.

فعلى سبيل المثال، أكد كل شهود العيان أنه بعد خطبة آية الله خامنئي يوم الجمعة علت أصوات الهاتفين «الله أكبر» أكثر وأصبحت أعظم في مساء يوم الجمعة في طهران.

وقد بدأت كل وسائل الإعلام التابعة للدولة بما يشمل الإذاعة والتلفزيون المحلي (الذي يديره آية الله خامنئي) في شن حملة دعائية مفادها أنه على كل الإيرانيين قبول قرار المرشد الأعلى لأن كل ما يقوله هو عادة الكلمة النهائية والأكثر أهمية في البلاد، واستخدموا في الأغلب المصطلح القرآني «فصل الخطاب». وقد جاء ذكر ذلك المصطلح في الآية القرآنية التي تؤيد حكم النبي داوود «وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ» (سورة ص الآية 20). وتفيد الآية بأن أساس حكم النبي داوود العادل كان الحكمة، لا التهديد، ويبدو واضحا من استخدام المرشد الأعلى لقبضته الحديدية وتهديده لشعبه، أنهم لن يطيعوه بعد ذلك.

ويبدو لي أنه كانت هناك مشكلة في الانتخابات الرئاسية في إيران، تتعلق بالافتقار إلى الثقة. فالإيرانيون لا يثقون في أحمدي نجاد ووزير خارجيته، ويعتقدون أن الانتخابات كانت عملية تزوير كبيرة.

ما جوهر الديمقراطية؟ يقول توم ستوبارد الكاتب المسرحي: «الديمقراطية ليست التصويت، بل فرز الأصوات»!