التحقيق في مقتل ندا

TT

لم يكن بين مطالب المتظاهرين أنصار المرشح الخاسر موسوي بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة إسقاط النظام الذي أسسه آية الله الخميني بعد الإطاحة بالشاه، ولا توجد حتى توقعات بانهيار النظام في المستقبل المنظور في ضوء المعطيات الحالية وتوازنات القوة الموجودة القائمة بين المؤسسات والقوى الناشطة داخل المجتمع الإيراني.

لكن أيضا فقد أثبت الغضب الجماهيري، الذي لا يبدو أنه سيهدأ قريبا، أن الأمور من الصعب أن تسير على ما هي عليه بدون أن يعرض النظام نفسه للخطر، كما ثبت أنه في عالم ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث أصبح من الصعب التعتيم أو فرض ستار حديدي عن العالم كما كان يحدث سابقا، فإن هناك حدودا لسطوة أي نظام، وحدودا لاستخدام القوة بشكل مكشوف بينما العالم كله يراقب.

لذلك لم يكن هناك مفر من تقديم تنازلات، على الأقل لاحتواء الغضب الشعبي ومحاولة تنفيسه تدريجيا مع الوقت، على اعتبار أن الجمهور لن يظل يخرج إلى الشارع يوميا، وبدأ ذلك على مضض بمد مهلة قبول شكاوى المرشحين وقرار إعادة فرز 10% من الأصوات، وهو ما أخر إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات الرئاسة حتى الآن، ثم المفاوضات التي تجرى حاليا مع موسوي حول مقترحات جديدة لحل الأزمة، وأخيرا القرار الذي أصدره الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالتحقيق في ملابسات مقتل الشابة ندا سلطاني التي تحولت بين يوم وليلة إلى رمز لما سمي بـ«الثورة الخضراء»، وأصبحت كذلك رمزا عالميا لدور المرأة في النشاط السياسي.

في البداية لم يكن تصرف السلطات هناك مختلفا عن أحداث سابقة مماثلة في مناطق أخرى في العالم لأنظمة مماثلة، فأولا محاولة التجاهل مثل النعام بدفن الرؤوس في الرمال، ثم قتل القصة نفسها بإبعاد الأسرة عن الإعلام والجمهور، والتعتيم الإجباري على الدفن والتأبين، ثم إطلاق الروايات المضادة التي لا يصدقها أحد عن إرهابيين أو مشاغبين هم الذين قتلوها، أو حتى أن مراسلا أجنبيا مطرودا هو الذي أجر القتلة، حيث يقوم بإنتاج فيلم وثائقي، وأخيرا وبعد إدراك أن القضية لن تختفي وحدها، وأنها مثل كرة ثلج تكبر يوما بعد يوم، وتصبح مثل وصمة دم، تم الأمر بفتح تحقيق في ظروف الحادثة التي شاهدها عشرات الملايين في العالم على شريط فيديو.

وأيا تكن نتيجة التحقيق الرسمي، فإن هذا التراجع في قضية مقتل ندا، وسواء كان ذلك لمعرفة الحقيقة أو لمحاولة تنفيس الغضب، فإن الاستنتاج الذي يخرج به أي متابع لحركة الأحداث هو أنه لا مفر من التغيير في إيران.

والشيء المرجح هو أن يكون التغيير من داخل النظام، كما حدث في تجارب تاريخية سابقة لأنظمة وقعت في مأزق مع شعبها، فكان أمامها خياران، إما العناد وهو طريق مسدود يؤدي في النهاية إلى سقوط وانهيار الهيكل بأكمله، أو تنفيس الاحتقان بالتغيير سواء كان ذلك في رموز النظام نفسه أو أساليب حكمه وسياساته. وفي حالة إيران فإن الصراع سيكون بين القوى البراغماتية والمحافظين المتشددين في تحديد المسار في الفترة المقبلة، لكن ما يجب أن يقال هو أن المحتجين الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشوارع بشجاعة، نساء ورجالا، كسبوا احترام العالم كله، وقدموا خدمة لا تقدر بثمن لبلدهم بتقديمهم للعالم صورة أخرى لمجتمع حيوي مخالف للصورة النمطية الأخرى لشخصيات متشنجة في خطابها الفكري والسياسي وتبدد أموال البلاد في الإنفاق على حلفاء مغامرين في الخارج سيكونون أول المنقلبين عليهم إذا شحت الأموال.