سعد الحريري رئيسا

TT

سعد رفيق الحريري أصبح فعليا رئيسا لوزراء لبنان بالتكليف، وهو الآن يسعى لتشكيل وزارته لكي ترضي الجميع، وهذه لعمري مهمة أكثر من مستحيلة. كان يروج دائما أن سعد الحريري لا يمثل أكثرية حقيقية وأن انتصار تياره من قبل كان انتصارا «عاطفيا» نتاج مقتل والده في ظروف درامية وغريبة جعلت حصوله على التأييد الكبير خلال الانتخابات مسألة أكيدة ولكنها لا تعكس الواقع «الحقيقي». وعاشت المعارضة فترة طويلة تروج لذلك حتى أتت الانتخابات الأخيرة، لتؤكد أن هناك واقعا في لبنان لا يمكن إنكاره وأن تيار المستقبل يمثل الأكثرية في لبنان بشكل حاسم وواضح ومع ذلك هناك في لبنان من يعتقد أن لديه الحق والسلطة والقوة بأن يكون ضمن التشكيل الوزاري، وله حق استثنائي في قرارات الحكومة بثلث معطل وغيرها من التركيبات التي كانت تسمح بوجود تيارات معارضة داخل حكومة يطلق عليها عبثا أنها حكومة توافق ولكنها في الواقع ما هي إلا حكومة تعطيل وتكسير عظم.

لبنان اليوم أمام واقع جديد، من الداخل أصوات كبيرة وكثيرة اختارت طريق التنمية والدولة، وواقع إقليمي مغاير أصبح من الواضح أن هناك أطرافا فاعلة ارتضت شكلا جديدا للبنان وأعطت الضوء الأخضر للسير فيه للأمام. ولكن المسؤولية الكبرى تقع على اللبنانيين أنفسهم اليوم وهم الذين اختاروا هذا الخط الجديد وبالتالي عليهم حمايته وعدم تمكين قوى الصفوف الخلفية بالعبث والإضرار بهذا الاختيار. تبدو كلمة «توافقية» هي شعار المرحلة القادمة بامتياز. فهاهو رئيس الجمهورية يسمى رئيسا توافقيا، ورئيس البرلمان نبيه بري يعاد انتخابه على أساس أنه رئيس برلمان توافقي، وطبعا سعد الحريري يشار إليه بأنه رئيس وزراء توافقي هو الآخر. ولكن ليكون هذا المسمى حقيقة وليس مجرد شعار أجوف فحسب لا يمكن أن يسمح للعودة إلى ما كانت عليه الأمور بشكل هزلي ومسرحي.

سعد الحريري نال مكانته الجديدة بجدارة التعليم والاستفادة من التجارب التي مرت عليه من قبل وهاهو يمد يده بعقل وحكمة لخصومه مركزا على اختيار الدولة وليس خيار الانتقام والشماتة، ويؤكد أن الاعتدال هو النهج وأن المستقبل هو وجهة انطلاق جديد وليس مجرد اسم حزب أو تيار. سعد الحريري هو غير رفيق الحريري، هذه جملة ليست بحاجة لعالم ذرة حتى يتم تأكيدها أو تزكيتها ولكن لبنان اليوم أيضا هو غير لبنان البارحة.

دماء كثيرة سالت ونفوس كثيرة اضطربت ووقفات كثيرة اهتزت، وعليه فإن سعد الحريري وهو ينتقل من قائد تيار وزعيم أغلبية برلمانية إلى رئيس وزراء «لكل» اللبنانيين لن ينجح إذا لم يتكاتف معه كل اللبنانيين فعلا، لأنه بدون ذلك سيفقد اللبنانيون فرصة تاريخية حقيقية تنقل البلاد من حال التناحر والسباب إلى حال التخطيط والبناء والجدية. العالم يراقب وينتظر وعليهم إتمام المهمة.

[email protected]