أوراق السلام في الشرق الأوسط تخلط من جديد

TT

السلام في الشرق الأوسط «لعبة» دولية وإقليمية وداخلية، مستمرة منذ إقامة دولة إسرائيل والبعض يرجع بها إلى وعد بلفور أو ولادة الدعوة الصهيونية، في أواخر القرن التاسع عشر. وهي تشبه إلى حد بعيد لعبة «البوكر»، إذ يجلس حول طاولتها لاعبون عدة، من كبار وصغار ومتوسطي الأحجام، وفي أيديهم أوراق مكشوفة وأخرى مستورة، لا يتورعون عن «البلف» والتكدير أو المزايدة، من أجل الكسب. صحيح أن الحظ له دوره في هذه اللعبة، ولكن للمهارة دورها أيضا، كذلك لقدرات اللاعبين المالية. ومن خصائص هذه اللعبة أيضا، «خلط الأوراق» قبل توزيعها.

نقول هذا لأن لعبة السلام في الشرق الأوسط باتت اليوم مطروحة بشكل جدي على الطاولة، بعد خلط جديد لأوراقها، وتوزيع لها على عدد أكبر من اللاعبين. فهي لم تعد تقتصر على الفلسطينيين والإسرائيليين، أو على العرب وإسرائيل وبعض الدول الكبرى، بل باتت تشارك فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، معظم دول العالم.

وبالرغم من أن عنوان المرحلة الحالية هو إقامة دولة فلسطينية كخطوة أولى نحو سلام عربي ـ إسرائيلي، فإن جميع اللاعبين يعرفون أن هذا الصراع الدائر حول فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، والسلام بين العرب وإسرائيل، قد تشعب وامتد إلى كل بلدان الشرق الأوسط، وأعماق العالم الإسلامي، وانه يشكل «عقدة» الحرب على الإرهاب وخطرا جديا على السلام العالمي، والريح التي تنفخ في الصراع المتجدد بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي. لاسيما بعد 11 سبتمبر واحتلال العراق وأفغانستان.

لقد استبشر الفلسطينيون والعرب خيرا في وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض. وكانوا على حق في تفاؤلهم. وحتى الآن، لم يخيب آمالهم في تأكيده على حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، وفي خطابه في جامعة القاهرة الذي مد فيه يده إلى العرب والمسلمين، كما لم يفعل رئيس أميركي، من قبل. كذلك في إدراج قضية السلام في الشرق الأوسط، في مقدمة أولوياته، وتعيين ممثل شخصي، للعمل على تقريب مواقف أطراف الصراع.

إلا أن وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في إسرائيل وخطابه الأخير، بددا الآمال الفلسطينية والعربية. وزاد في تبددها وصف واشنطن للخطاب بأنه «إيجابي».. وهو في الحقيقة، سلبي بكامله، وإغلاق كامل لكل أبواب المفاوضات والاتفاق. وربما شكل فوز فريق 14 آذار في الانتخابات اللبنانية عاملا ايجابيا داعما لعملية السلام، إنما كان فوز احمدي نجاد في الانتخابات الإيرانية ـ حتى إشعار آخر ـ عنصرا سلبيا آخر.

ولسنا نرى كيف سيتمكن الرئيس الأميركي من التغلب على الموقف الإسرائيلي المعطل للسلام. بل نعتقد بأن إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أقدر على تعطيل أي خطوة أميركية في اتجاه السلام تستجيب للحقوق الفلسطينية والعربية. كما لا نرى كيف سيتمكن الرئيس الأميركي من حلحلة العقدة النووية الإيرانية وإقناع النظام الإيراني بوقف تصدير ثورته إلى الدول العربية والإسلامية والكف من دعم التنظيمات الفلسطينية وغير الفلسطينية الرافضة للسلام. بل إننا نرى الجماعات المتطرفة توسع أنشطتها وتمد عملياتها الإرهابية إلى دول عربية وإسلامية، في آسيا وأفريقيا.

إننا أمام خلطة جديدة لأوراق لعبة السلام في الشرق الأوسط، وأمام لاعبين جدد جلسوا مع اللاعبين التقليديين. ولا تزال اللعبة في بدايتها. ومن المحزن والمؤسف أن لا يكون اللاعبون العرب والفلسطينيون كتلة واحدة، متفقين على موقف مشترك واحد ومؤمنين فعلا بمبادرة القمة العربية. ومصممين على تحمل كل مسؤوليات تنفيذها. فالرئيس الأميركي، قد يختلف، نية وخطابا، عن كل الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، وقد يكون فعلا وحقا من المؤمنين بالسلام في الشرق الأوسط وتأثيره الإيجابي المباشر على المصالح الأميركية، لكنه لا يستطيع الحلول محل العرب والفلسطينيين، في تحصيل حقوقهم. بل إن عليهم، هم أن يساعدوه، بشكل أو بآخر، على تمرير السلام من خلال الشبكة الإسرائيلية، دون أن يتنازلوا عن حقوق لا تسامحهم شعوبهم إن هم تنازلوا عنها.

إن «فرصة» أوباما لن تتكرر. وعلينا أن نستفيد منها قبل أن تمر سنوات ولايته. ولست أدري كيف؟ وما هو الثمن المعقول أو الممكن الذي يتحمل اللاعبون دفعه؟