المملكة المرجع وعبد الله بن عبد العزيز المرجعية

TT

في ذكرى مرور أربعة أعوام على تولِّي الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم، يتأمل المرء المتابع، مثل حالنا، لحركة التطوير الدؤوبة داخل المملكة، وللتعاطي الموضوعي في اتجاه ما يُحقِّق التهدئة في المحيط العربي، وما يجعل النظرة الدولية إلى الأمتين أكثر صفاء من قبل، فيجد أن الحضور الحيوي، المقرون بالحكمة والنخوة المستديمتين لخادم الحرمين الشريفين، كان من سمات أربعة أعوام، ليس مبالغة القول إنها كانت استثنائية. وفي هذه السنوات كان الملك عبد الله بن عبد العزيز شديد الحرص على تعويض الأمة بالإصرار على المصالحة سنوات من الجفوة والعراك، أضرت أكثر مما أفادت. وجاءت الانتفاضة الإيرانية لتؤكد للأطراف التي تراهن على الكتف الإيراني، بدلا من التحليق في الفضاء العربي، أنه لولا تلك المصالحة التي أرادها الملك عبد الله بن عبد العزيز أن تكون الإنجاز الأهم في القمة الاقتصادية العربية في الكويت، ثم في ما تلا تلك القمة من لقاءات واجتماعات على المستوى الأعلى، لكانت أحوال المراهنين المكايدين غير سارة الآن على الإطلاق، ولكانت أياديهم مغلولة إلى أعناقهم، لا يدرون ماذا يفعلون، وبأي وسيلة يمكن حِفظ ماء الوجه. إن التسامح الذي على أساسه عاد الود ومعه استحضار المفردات التضامنية، أحدث في نفوس الرأي العام حالة من الارتياح، وبذلك انحسرت، بعض الشيء، موجة القلق من النفوس، وبدأت العزلة تنحسر بالتدريج عن الحكم السوري، كما أن التشبث بالرأي بدأ يتراجع لدى أطياف العمل الفلسطيني أمام إمكانية الحوار بأمل التوصل إلى مصالحة فلسطينية - فلسطينية تصب لاحقا في بحيرة المصالحة العربية - العربية التي بدأت مياهها تصفو، بعدما كانت تعكس انطباعا بأن لا أمل يرتجى من صفاء النوايا وتنظيف النفوس من الشوائب. كما أنه بمفاعيل التسامح، وجد لبنان نفسه يتجه نحو الاستقرار النسبي في ضوء خيارات حسمَتْها الإرادة الشعبية، وبما لا يجعل الصيغة تهتز، والخصوصية تندثر.

ودائما نجد الملك عبد الله بن عبد العزيز حاضرا في هذا الانجاز، تماما كحضوره في قمة العشرين ممثِّلا بكل مسؤولية وحرص وضمير مصالح الأمتين خير تمثيل، وعلى نحو تمثيله للأمتين في حوار الأديان، وفي السعي الدؤوب لتثبيت دعائم المبادرة العربية. وعندما نجد الرئيس باراك أوباما يأتيه يوم الأربعاء 3-6-2009، ولا يتردد في القول إنه قبل أن يُلقي كلمته التاريخية مِن على منبر جامعة القاهرة في اليوم التالي، يهمه الإصغاء إلى رؤية خادم الحرمين الشريفين وطَلَب النصيحة منه، ثم يحصل الرئيس الأميركي بعد لقاء الساعتين منفردا مع الملك الناصح الحكيم عليها، وبما يزيد من ثقة الضيف الاستثنائي باراك أوباما بأهمية السير في اتجاه التغيير انسجاما مع فوزه برئاسة أميركا على موجة عارمة تريد التغيير، حتى مع شخص من أصول أفريقية وجذور إسلامية.. إننا عندما نجد الرئيس أوباما يفعل ذلك، فإننا نعتز كثير الاعتزاز بمكانة عبد الله بن عبد العزيز قائدا حكيما يساعد برؤاه صانعي القرار الدولي على استنباط ما مِن شأنه أن يفيد من القرارات. ونجد هنا في تقييم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض لمناسبة الذكرى، وبالذات لما يتعلق بالإنجاز العربي والإقليمي والدولي الذي حققه الملك عبد الله بحكمته وحنكته واستحضار ثوابت والده المغفور له الملك عبد العزيز، ما ينوب عن الأمتين في شأنه، وبالذات قوله في هذا التقييم «إن السياسة المتوازنة مع السعي الحثيث لخدمة قضايا الأمتين حققتا للمملكة مكانة متميزة في العالم العربي والإسلامي، وأصبحت ـ تبعا لذلك ـ مرجعا مهما لحل قضايا المنطقة، بل وشريكا دوليا بارزا في العديد من المحافل الدولية السياسية والاقتصادية التي كان آخرها قمة العشرين لحل الأزمة المالية العالمية».

يبقى أن لإخواننا أبناء المملكة أن يعتزوا بإنجازات أربع سنوات من البناء والتطوير وتقليص تعقيدات حالات عالقة، والمضي في سباق مع الزمن للمزيد من البناء والتطوير، وبالذات في مجال تنويع الجامعات واستحداث المدن الصناعية، فضلا عن الإنجاز الأهم في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وهو «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية» التي ستكون محط أحلام الواعدين من أبناء السعودية وأبناء الأمتين، يتخرجون منها في مجالات علمية تواكب التطور التقني والعلمي، وبما يجعلنا نعوِّض ـ قدر الإمكان ـ ما فات.

أما بالنسبة إلى كاتب متابع، مثل حالي، للشأن العربي وللتعاطي المرتبك من جانب الأمتين مع المجتمع الدولي، فإنه يجد في النهج التسامحي الذي يعتمده الملك عبد الله مع قضايا الأمتين بداية علاج للتائهين والمراهنين. وهذا، على ما يجوز القول، واجب مَن تفرض المسؤولية الوطنية والقومية والدينية عليه أن يكون حامل هموم أُمتيه. ولأنه كذلك، فإنه المرجعية للمملكة، التي يقول الأمير سلمان إنها أصبحت مرجعا. مع الدعاء للملك عبد الله بن عبد العزيز بطول العمر، وموفور الصحة.