أوباما.. ومعضلة إيران

TT

نزل المتظاهرون إلى الشوارع مطالبين بالحرية والانتخابات العادلة، ردت الحكومة القمعية بعنف واصمة المعارضين بالعناصر المخربة غير الوطنية، لكن المطالبة بالتغيير بل وحتى الثورة سادت الشارع.

ويجب على الليبراليين والتقدميين أن يتحالفوا بالضرورة مع أولئك الساعين إلى الإطاحة بالنظام القائم. فإما أنهم يمثلون الديمقراطية والمساواة والحرية، أو أنهم لا يمثلون شيئا. وبصورة أساسية، فالمحافظون هم من جانبوا المنطق.

لكن هناك اضطراب في النظرة التقدمية العالمية، فعادة ما يفضل اليسار أيضا التحفظ في السياسة الخارجية، كما أنه يفضل المفاوضات على الحرب، وينصح بالحذر في استخدام القوة الأميركية، ويتراجع أمام ما يراه استخداما مفرطا للسلاح من قبل بعض المجموعات في اليمين. ويعد العراق الدليل الأبرز على مخاطر الانسياق وراء فرضية أن القوة الأميركية قادرة على إعادة تشكيل العالم بسهولة. وفي الوقت الذي يناضل فيه الإيرانيون في الشوارع لإحداث التغيير في بلادهم، يجد الرئيس أوباما نفسه متورطا بقوة في هذه المعضلة الليبرالية.

كان أوباما قد وضع الولايات المتحدة قبيل الانتخابات الإيرانية على طريق التفاوض مع الحكومة الإيرانية ـ تلك الحكومة التي تقوضت شرعيتها نتيجة لممارساتها التعسفية تجاه المعارضة. وكرجل سياسة خارجية واقعي، يدرك أوباما أنه بعد انتهاء الصراع الحالي، ستكون الولايات المتحدة مضطرة إلى التعامل مع إيران بشأن قضية برنامجها النووي وأمور أخرى متعلقة «بمصالحنا طويلة الأمد». علاوة على ذلك، إذا فضلت حكومة الولايات المتحدة اتخاذ جانب المعارضة الإيرانية الشجاعة، فإنها بذلك يمكن أن تضعف مصداقيتهم، وتقدم ذريعة منطقية للقمع الذي أمل أعداؤهم في إتباعه على أي حال.

وفي الوقت الذي اكتسب فيه المحتجون القوة، وحازت شجاعتهم على انتباه العالم، بدأ الرئيس يدرك أن التصرف الحذر غير كاف، ومن ثم بدأ خط الإدارة يتخذ منحى متشددا شيئا فشيئا، على الرغم من أنها لم ترض الكثير من المحافظين، الذين عارضوا سياسة أوباما للدخول في مفاوضات مع إيران في الأساس.

ويرى منتقدو أوباما، أن الأمر ليس بحاجة إلى تفكير، ويرون ضرورة مساندة الحرية وحقوق الإنسان وإسقاط الملالي القمعيين، وألا يكترسوا بعواقب مواقفهم. فإذا فازت المعارضة، فسوف يربح الجميع، وإذا مارس النظام أعماله التعسفية ونجح في البقاء فإن التواصل معه يكون قد انتهى، ولذا فمن وجهة نظر منتقدي أوباما فإن الفوز سيكون للجميع.

وفي حقيقة الأمر، كان أوباما صائبا في حذره، لأن على الولايات المتحدة ألا تقدم وعودا زائفة لمعارضي النظام لا تستطيع الوفاء بها، لأن وقوفنا إلى جانبهم يمكن أن يتسبب في إضرارهم. ومن المفارقة أيضا، أن القادة السياسيين الأوروبيين انتقدوا صراحة انتهاكات الحكومة الإيرانية بكل دقة، لأن إحجام أوباما أعطاهم مساحة للعمل بصورة منفردة.

لكن إذا كان على أوباما، كقائد لحكومة الولايات المتحدة، أن يحذر في حساب خطواته، فإنه يجب على جموع التقدميين والليبراليين من خارج الحكومة ألا يخافوا من مناصرة هبة الإيرانيين من أجل الحرية. وقد كتب الفيلسوف السياسي مايكل والزر، الأسبوع الماضي في صحيفة «نيو ريبابلك» حول كيفية التعامل مع الطبقة الحاكمة القمعية في إيران، ملخصا للانقسام الملائم للعمال: «بالنسبة إلى الليبراليين واليساريين، فهناك المعارضة ولا شيء سواها، وبالنسبة لدبلوماسي الدولة، فهناك المصافحة والتفاوض».

بيد أن الأحداث التي جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي كانت تجاوزت هذه الطريقة الحذرة. وإذا ما قمع النظام الإيراني خصومه السياسيين فسيكون من المستحيل في أي وقت في المستقبل القريب استئناف الدبلوماسية، وكأن شيئا لم يكن. وحتى إذا استمرت الحكومة الحالية في المدى القريب، فإننا نعلم الآن أن قبضتها على السلطة ضعيفة. فهناك معارضة في إيران أكثر مما نعلم بل وربما أكثر مما يعرف الإيرانيون أنفسهم ـ ومن ثم فإن هناك فرصة كبرى في التغيير.

وذلك هو السبب الذي يوجب على أوباما تبني خطاب متشدد، فقد أرسل رسالة واضحة يوم السبت، عندما دعا الحكومة الإيرانية إلى «وقف كل أعمال العنف والظلم ضد مواطنيها» وحذر من أنها بذلك لا تتوقع «احترام المجتمع الدولي، إذا ما فشلت في احترام شعبها والحكم بالموافقة، لا الإكراه». وبالتنسيق مع حلفائنا، يخبر الرئيس النظام الإيراني أنه سيدفع ثمن القمع. ويجب أن تكون أهم مبادئ السياسة الأميركية أنه مهما كان التزامنا بالمفاوضات فإننا ديمقراطيون ملتزمون.

وقد خدم حذر أوباما الفطري مصالح الحرية، عبر توضيح أن الثورة ضد الانتخابات المزورة نابعة من الداخل، لكن مع استمرار النضال لا يسعنا أن نتظاهر بأننا غير مبالين بنتائجها. ليس من السهل السير على الطريق التقدمي، لكن أوباما كان دائما يقول إنه يعلم كيف يتعامل مع المشكلة وتلك هي الفرصة لإثبات ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»