المجزرة الشعرية العاطفية

TT

مقالنا اليوم كله شعر في شعر، وعشق في عشق، بعضه صادق، وبعضه كاذب، وبعضه (بين بين) ـ مثلي تماما ـ والقاسم المشترك من أوله إلى آخره: (العيون) ـ كفانا الله شرها ـ وها هو (ابن هانئ) الأندلسي يتغزل في محبوبته:

فتكات لحظك أم سيوف أبيك

وكؤوس خمر أم مراشف فيك؟

حسبوا التكحل في جفونك حلية

تا الله ما بأكفهم كحلوك

وعكسه تماما ذلك الأعرابي (المعترّ) يذم زوجته قائلا:

ولا تستطيع الكحل من ضيق عينيها

فإن عالجته صار فوق المحاجر

أما الشاعر الصوفي (المنتجب العاني)، فيقول:

ورب أهيف ساجي الطرف معتدل

أغن أحوى دقيق الخصر واهيه

أعار أم الطلا من غنج مقلته

وعلم البان ضربا من تثنيه

فالنرجس الغض من عينيه أنهبه

والورد باللحظ من خديه أجنيه

وعكسه أيضا (ابن الرومي) المتشائم، عندما دعاه أحد الوجهاء لحضور حفلة تحييها مغنيتان، إحداهما حولاء، والأخرى عوراء، وصادف أن سقطت ابنة صاحب الحفلة من على السطح وتكسرت، وتوقف الغناء، فما كان من ابن الرومي إلا أن يرتجل هذين البيتين مخاطبا الداعي:

أيها المحتفي بحول وعور

أين كانت منك الوجوه الحسان؟

كان من ذلك فقدك ابنتك

الحرة مصبوغة بها الأجفان

وهناك من (يتطيّرون)، مثل ابن الرومي، وكذلك الجاحظ الذي يقول ساخرا: إن البومة لا تخرج بالنهار خوفا من العين، لأنها تظن أنها حسناء، وهذا ما حصل من الشاعر (ديك الجن الحمصي) عندما قتل محبوبته خوفا عليها من الحساد، ولكنه ندم بعد ذلك، حيث لا ينفع الندم، وقال:

يا طلعة طلع الحمام عليها

وجنى لها ثمر الردى بيديها

رويت من دمها الثرى ولطالما

روى الهوى شفتي من شفتيها

فوحق نعليها ما وطئ الحصى

شيء أعز عليّ من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن

أخشى إذا سقط الغبار عليها

لكن ضننت على العيون بحسنها

وأنفت من نظر الحسود إليها

ولم أجد أغبى من شاعر اسمه (نصيب)، ويقال إنهم لم يشاهدوه إلا دامع العينين حزينا، وها هو يقول في معشوقته:

أشقى من محب

وإن وجد الحب حلو المذاق

تراه باكيا أبدا حزينا

مخافة فرقة أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقا إليهم

ويبكي إن دنوا خوف الفراق

وأختم هذه (المجزرة) الشعرية العاطفية ببيت شعر واحد من عندي لشاعر مجهول، ولا أهديه إلى أحد:

هامت بك العين لم تتبع سواك هوى

من علم العين أن القلب يهواك!

صحيح، من علم هذا (الأهوج)؟!

[email protected]