الحريري الأب.. الحريري الابن

TT

رفيق الحريري الأب ابن مزارع في صيدا، درس المحاسبة في جامعة بيروت العربية، ويقال إنه بدأ حياته العملية معلما للرياضيات في مدرسة سعودية ابتدائية، ثم محاسبا قبل إنشاء شركته الخاصة ليصبح أحد أغنياء العالم. صعد سلم السياسة من بوابة إنقاذ لبنان، وحينما جاء إلى رئاسة الوزارة فعل أقصى ما بوسعه لإعادة إعمار بلده، ومشى سنوات على حبل السياسة بتوازن وبراعة لاعب سيرك متمرس رغم عواصف وأعاصير لبنان، وفي النهاية دفع روحه ثمنا ليلتحق بركب شهداء بلاده الكثيرين.

أما سعد الحريري الابن، فهو ابن رئيس وزراء، وابن واحد من بين أغنى مائة رجل في العالم. درس إدارة الأعمال في جامعة جورج تاون بواشنطن، ونشأ في ظلال نفوذ والده، ولم تدعه السياسة ينضج على نار هادئة، بل أحرقت دمه، إذ وجد نفسه في أعلى سلمها محمولا على نعش أبيه رفيق الحريري، ومأساته الأليمة، لكنه قاوم بحزم إغراء كرسي الرئاسة، ودفع برجل أبيه فؤاد السنيورة ليمنح نفسه فرصة القراءة الأعمق ليوميات السياسة اللبنانية قبل أن يخوض غمار رئاسة الوزارة.

اليوم هو المكلف برئاسة الوزارة الجديدة في لبنان، وهي مهمة صعبة لا يحسده أحد عليها، فالطريق ـ كما وصفه ـ لن يكون سهلا، والعراقيل قد تكون أكثر من الظاهر، وهو يحاول اليوم أن يكون إطفائي حرائق بارع، فبدأ مشواره بسكب بعض المياه الباردة على البؤر التي لم يزل ينطلق منها الدخان، فهو يعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية، متجانسة، وقادرة على العمل والإنتاج لإنجاز مشروع بناء الدولة اللبنانية، وتعزيز السلم الأهلي، والاهتمام بالتنمية، ويلوح دائما بأنه يمد يده إلى كل شركائه في الوطن، وخاصة الذين لم يصوتوا له، مؤكدا للمعارضة بأنه سيضع هواجسهم، ومصالحهم في مصاف مصالح وهواجس الأكثرية، كما لم يتردد في زيارة نصر الله، والجلوس معه لساعات، وتطويق الإشكال الأمني في منطقة «عائشة بكار»، التي اندلعت فيها المواجهة بين بعض أنصاره، وبعض أنصار حركة أمل.

ولسعد الحريري لغته المعتدلة، ومفرداته المهذبة، التي ورثها عن والده رفيق الحريري، فهو غالبا ما يضع سقفا لا يتجاوزه عند الحديث عن خصومه السياسيين، لكن هل تكفي أخلاقيات الخطاب في إقناع المعارضة بالتخلي عن مطلبها بحق الفيتو عند تشكيل أية حكومة؟ سيظل هذا السؤال الصعب مشرعا علامة استفهامه في وجه الجميع في انتظار ما ستؤول إليه الأمور.

[email protected]