من حراسة العراق إلى مشاهدة الأفلام

TT

الجندي القادم من لويزيانا من جنوب الولايات المتحدة يصف مهمته الجديدة بعد أن تم سحب فرقته مع بقية القوات الأميركية من العمل في المدن العراقية، «نبقى في القاعدة في حالة تأهب، لكن نمضي وقتنا في قاعة التمارين الرياضية أو مشاهدة الأفلام». على الأقل هذا حال جندي واحد يسكن اليوم في إحدى القواعد العسكرية التي انسحب إليها الجيش الأميركي خلال الأيام القليلة الماضية، إيذانا بمرحلة جديدة في العراق.

ومع أن رئيس الوزراء العراقي يحاول أن يسجل الانسحاب من المدن على أنه نصر مبين، كما لو كان يقود المقاومة العراقية في السابق، إلا أنه في الواقع مشروع أميركي. الانسحاب أملته سياسة واشنطن بالخروج من العراق على مراحل، وأمس أنهت مرحلة هامة بالخروج من المدن التي كان أفراد قواتها يجوبون شوارعها، ويحرسون ميادينها، وينفذون فيها عمليات كَرّ وفَرّ عسكرية.

وبغض النظر لمن البطولة في الانسحاب الأميركي من المدن، للحكومة العراقية أو الضغوط السياسية أو المعارضة في أميركا أو التكاليف الباهظة على الحكومة الأميركية، فإن العراق يدخل واقعا جديدا. العراق الجديد عليه أن يعتمد على نفسه وقواته وإدارته السياسية، وبالطبع ظروف المنطقة المتقلبة. ففي زمن الانسحاب الأميركي يغلي الشارع الإيراني ضد نظام الرئيس أحمدي نجاد، وتحج وفود أميركية رسمية إلى العاصمة السورية في علاقة تاريخية جديدة. والعلاقة المثلثة، الإيرانية والسورية والأميركية، لها دور أساسي في الوضع العراقي الهادئ نسبيا. على مدى خمس سنوات إيران كانت تمول العمليات الإرهابية في العراق، وسوريا تفتح لها الحدود، وفجأة انحسر الإرهاب والقتل في العراق منذ اجتماعات رجال الأمن لدول الجوار، وتحديدا بين الإيرانيين والسوريين والأميركيين.

ومع أن الطرفين يؤكدان أنه تم سحب القوات الأميركية، يظل انسحابا ناقصا، حيث تساند القوات الأميركية القوات العراقية في عمليات الحرب اليومية ضد الجماعات المسلحة، من حيث التنصّت وجمع المعلومات والمطاردة والهجوم المشترك. وهي مهام يبدو أنها ستستمر إلى أكثر من عام، مما يعني اختصار الوظيفة الأميركية المألوفة، القوات الأميركية الراجلة والآلية في أحياء المدن. مظهر العسكر الأميركيين اختفى فعليا وسط أهازيج من طرف، وولولة من طرف آخر.

ومع أن الأميركيين يؤكدون أن لا عودة لهم إلى شوارع بغداد وبقية المدن الرئيسية، إلا أنه وعد تنقصه الضمانات من الأطراف الأخرى، فلو ساءت العلاقات الإقليمية من جديد، خصوصا مع التوتر في إيران، وعاد العنف إلى العراق، سيجد الجميع أنفسهم في المربع القديم بظهور الجنود الأميركيين. والعنف ليس ببعيد، فالعمليات الأخيرة مثيرة للقلق كونها بالغة العنف في جرائمها باستهداف المساجد والمناطق المدنية. والتفسير الوحيد أنها جزء من الاحتفال بخروج الأميركيين من قبل الجماعات الإرهابية على طريقتها، استهداف العزّل المدنيين.

[email protected]