غرام الألف واللام

TT

كما يعتز الغربيون بأعمالهم التشكيلية من تماثيل وتصاوير، نعتز نحن بجمالية خطنا العربي. وبفضل المدرسة التجريدية في الفنون، ارتقى الخط العربي في السنوات الأخيرة إلى منزلة فن عالمي. ترى الأوروبيين يدرسونه ويتعلمون إتقانه دون أي معرفة باللغة العربية أو أدبها. وشاع بيننا ما يعرف بالمدرسة الحروفية، وهي الأعمال التصويرية القائمة أولا وأخيرا على الحرف.

بلغ من اعتزاز العرب بالخط والحرف أنهم كثيرا ما عبروا عن مشاعرهم الجمالية والفكرية بالإشارة إليه. وردت أشعار وأمثلة ظريفة في هذا الخصوص. كان من ذلك ما قاله عنترة في وصف حاجب امرأة:

وبحاجب كالنون زين وجهها

وبناهد حسن وكشح أعظم

وهو قول ينظر إلى ما قاله أبو العلاء المعري:

طربن لضوء البارق المتعالي

ببغداد وهنا ما لهن وما لي

ولاح هلال مثل نون اجادها

بماء النضار الكاتب ابن هلال

وهذا قول عجيب. أستطيع أن أفهم قول عنترة العبسي، ولكن من علم هذا الشاعر الأعمى شكل النون وجمالياته؟ وكيف أدرك مدى إجادة الخطاط ابن هلال في خطوطه؟ لقد كانت العرب تعتز بالخطاطين، ابن هلال وابن مقلة وسواهما، كما اعتز الأوروبيون بروفائيل ورمبرانت وبيكاسو. ما أن سمع الشريف الرضي بموت الخطاط علي بن هلال، حتى رثاه بقصيدة طويلة، قال فيها:

رديت يا ابن هلال والردى غرض

لم يحم منه سخط له البشـر

إن تمس ميتا بلا سمع ولا بصر

فطالما كنت انت السمع والبصر

سحرت تركيبة الألف واللام (اللام ألف لا) الشعراء والأدباء في جماليتها. قال ابن المعتز:

وكأن السقاة بين الندامى

الفات على السطور قيام

وكان قول آخر ينظر إلى ما قاله بكر بن النطاح:

يا من إذا درس الإنجيل ظل له

قلب التقي عن القرآن منصرفا

إني رأيتك في نومي تعانقني

كما يعانق لام الكاتب الألفا

ولربما يعود سحر الألف واللام إلى ارتباطهما بلفظة الجلالة «الله»، وما تكتنفه من قوة روحية. أصبحت هذه الكلمة أساسا للكثير من الزخرفة والعمارة الإسلامية. اتخذها الأندلسيون شعارا سياسيا وجذرا زخرفيا في كل أعمالهم: «لا غالب إلا الله». انظر كم ترددت فيه الألف واللام. وتذكر أيضا سحرهما التشكيلي في: «لا إله إلا الله».

وعندما شكا الخطاط المستعصمي من جور الزمان، لم يملك غير أن يقول:

عجبت لدهري إذ جاد لي

بخط يفوق بأجزائه

وأعوزني فيه من نقطة

تكون على الطاء من خائه

www.kishtainiat.blogspot.com