هل تفتعل إيران أزمة خارجية للخروج من أزمتها الداخلية؟

TT

يحتاج أي نظام ديكتاتوري إلى متهم خارجي. هو يرفض أن «يتكرم» على شعبه بـ«فضل» الاعتراف له بأنه إنما يتظاهر رفضا للكثير من أساليب ذلك النظام. يريد أن يقزم تطلعات شعبه، لكن في عز الأزمة، يعرف النظام الديكتاتوري من خلال حساباته لمن يوجه الاتهام، يريد أن يبقي منفذاً للانفتاح على الولايات المتحدة، لكن هناك بريطانيا فهي تفي بالمطلوب ليثبت عليها تهمة تحريض الشعب الإيراني ضد قيادته. منذ بداية هذا العام شعرت إيران بالقلق من افتتاح الـ«بي. بي. سي» لتلفزيون يبث باللغة الفارسية موجه إلى إيران وأفغانستان. يستطيع النظام الديكتاتوري ممارسة القمع على أدوات جامدة أو متحركة، لكن كيف يقمع الأثير؟ لكن ما يظهر شعور ذلك النظام بأن الضعف بدأ يتسرب إليه، اعتقاله موظفين إيرانيين يعملون في سفارة بريطانيا في طهران. الاتهام موجه للخارج بهدف الاستقواء على الشعب. وقد تسفر مواجهة السلطة الإيرانية للمتظاهرين أو الرافضين من الشعب الإيراني عن تحول المعارضة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وللرئيس «المثبت» محمود احمدي نجاد إلى السرية. لكن الشرخ وجد بين الإصلاحيين وغيرهم. لم تعد الدولة تثق بشعبها وهذا يظهر ضعف القيادة.

لكن كيف ستتعامل القيادة مع هكذا وضع لتغطي على تهاوي شرعيتها في الداخل؟

يقول ستيف كليمونز مدير برنامج الاستراتيجية الأميركية في مؤسسة «أميركا الجديدة» في واشنطن: «ستنتج عن تعامل إيران مع الوضع حصيلتان: إحداهما - أن تحاول إيران التسبب بأزمة خارجية في مكان ما من الشرق الأوسط لتبرر الإجراءات الصارمة ضد شعبها، فتدفعه إلى التوحد مع القيادة لمواجهة عدو خارجي. ويقلقني جداً هذا الاحتمال. الحصيلة الثانية برزت عندما أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما عن إعادة السفير الأميركي إلى دمشق، فهناك الكثيرون من مؤيدي إيران مثل سوريا، «حماس»، «حزب الله» ومجموعات منشقة عن «الإخوان المسلمين» حيث شرعيتهم مرتبطة بالمجتمع الذي يتحركون فيه، وحسب اعتقادي فإن شراكة هذه الأطراف مع إيران ازدادت تعقيداً، وهي ستشعر بأنها اقل قوة ومصداقية بسبب تصرفات إيران ضد شعبها».

ويضيف كليمونز: «هناك الآن ما يمكن تسميته بـ«اللحظة البلاستيكية»، حيث إن «حزب الله» و«حماس» سيدرسان تصرفاتهما، ليس بسبب أوباما، بل لأنهما لمحا ضعفاً في الدولة الإيرانية. يريد «حزب الله» و«حماس» وأطراف أخرى المحافظة على شرعيتهم في نظر مواطنيهم، لكن هذه الشرعية صارت محل تساؤل، لأن «الجسد» الأساسي المرتبطين به اهتزت شرعيته».

يتوقع محدثي حصول أمور كثيرة في هذه «اللحظة البلاستيكية»، إنما المهم في رأيه ألا تتدخل أميركا أو أوروبا أو إسرائيل وينسفون الايجابي الذي قد يأتي «لأنه قد تبرز مرونة جديدة عند هذه الأطراف. إن سوريا و«حماس» و«حزب الله» مهتمون بتنويع مصادر اتصالاتهم وعلاقاتهم من اجل حماية مصالحهم، ولهذا فإنهم مستعدون لإظهار بعض المرونة». ويقول كليمونز إن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل صديقة المتظاهرين في إيران - وهذا ما لم يفعله الرئيس أوباما رغم كل الضغوط التي تعرض لها - هو تصريح غبي، كمن يريد أن يستبدل الإيرانيون «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل»، بهتاف «الموت للديكتاتور»؟

وكانت سوريا خلال الأزمة الإيرانية الحالية، عبرت عن رغبتها في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل. وهذا أمر لافت، لأنه أثناء حرب تموز (يوليو) 2006 في لبنان، بين إسرائيل و«حزب الله» المدعوم من إيران، استأنفت سوريا مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل.

يقول كليمونز: «سوريا جزء من «اللحظة البلاستيكية» أيضا. هي لن تكون أفضل أصدقاء أميركا، أو أفضل أصدقاء إسرائيل، إنما تريد تنويع علاقاتها وارتباطاتها، وان تصبح اقل اعتماداً على إيران الذي تسلل إلى نظامها ضعف معين».

يقول لي ديبلوماسي بريطاني، إن الأسوأ من أي ديكتاتور إيراني، هو ديكتاتور إيراني مصاب بجرح دام. المظاهرات أدمت احمدي نجاد، وسيركز على الذين اظهروا الولاء له من «الحرس الثوري» و«الباسيج». يجب ألا نتوقع موافقته على انفتاح على أميركا، فهذا سيتركه عرضة للاتهام بأنه خضع لمطالب الإصلاحيين والمتظاهرين، على العكس سيعطي احمدي نجاد «الحرس» و«الباسيج» حرية التحرك في العالم العربي السنّي وبالذات في البحرين، والكويت، والعراق والسعودية وحتى في لبنان. ويعتقد الديبلوماسي البريطاني بأن الصيف في الشرق الأوسط قد يكون ملتهباً.

يقول كليمونز: «يقلقني هذا الأمر كثيراً، تقلقني محاولة إيران خلق مشكلة خارجية لتوحيد تركيبتها الأمنية، اعتقد بأن على الدول العربية السنّية أن تكون جد حذرة، وان تفعّل بقوة أجهزتها الأمنية والعسكرية تحسباً للمفاجآت. ويضيف: إن لإيران ضرورة في عمل كهذا، وكل دولة، بنوعية النظام الإيراني، تعيش مشاكل داخلية تحاول الخروج من أزمتها بافتعال أزمة خارجية».

ما يثير في الأمر، انه إضافة إلى أزمة الثقة الداخلية مع شعبها التي تعاني منها إيران، هناك مشكلة «الحرس الثوري»، فهذا الجهاز يعاني هو أيضا من انقسامات داخلية، وليس واضحاً من يسيطر على الجيش النظامي الذي ظل بعيداً عن هذه الأزمة ولم يتدخل، ثم انه كمؤسسة ليس الأكثر تسليحاً أو تمويلاً. وقد تحد هذه الأوضاع من طموحات إيران للتدخل في الخارج، لكن مع احمدي نجاد ما من وضع مأمون.

لكن، كيف سيؤثر الوضع الإيراني الجديد على الولايات المتحدة ومصالحها وخططها في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان؟

يرى كليمونز «أن الوضع الجديد قد يعقّد الأمور بالنسبة للرئيس أوباما، أيضا، لأن إيران ستكون مشغولة جداً داخلياً، وتشعر القيادة بأن موقفها حساس، فقد يسعى خامنئي واحمدي نجاد لإظهار بأن هذه الصورة البشعة لأحمدي نجاد قادرة على أن تنجز اتفاقيات بناءة. وستكون حركة ذكية من خامنئي إذا ما دفع باحمدي نجاد للانطلاق في الخارج، والعمل مع الأوروبيين والأميركيين للتوصل إلى توجه جديد بناء وتقليص الشرخ الاستراتيجي بين الدول». ويضيف كليمونز «قد يستعمل خامنئي احمدي نجاد المرفوض من شعبه، ليحقق ما تريده أغلبية الشعب الإيراني».

في ظل هذه الأزمة، عبرت واشنطن عن استعدادها للتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي. هناك من يقترح بأن على أوباما أن يجد «سكوكروفت» آخر في إدارته. إذ بعد مشاكل ساحة «تيانانمن» في الصين أرسل الرئيس جورج بوش الأب مستشاره للأمن القومي آنذاك برنت سكوكروفت حيث توصل إلى نقاط مشتركة مع الصينيين، وعلى أوباما في فترة ما أن يُقدم على مثل هذه الخطوة مع الإيرانيين، لكن إذا رفضوا استقبال ذلك الشخص أو التفاوض معه، فإن العلاقات ستزداد تعقيداً وصعوبة.

لا يعتقد كليمونز، بأن دنيس روس سيكون ذلك الـ«سكوكروفت»، وقد يكون جيم جونز مستشار الأمن القومي أو روبرت غيتس وزير الدفاع.

في قمة الدول الصناعية الثماني التي ستنعقد في ايطاليا الأسبوع المقبل، يريد البعض طرح عزل إيران، ولا يمكن لهذا أن يحصل ما لم تلتق روسيا والصين مع الهدف الأميركي. لكن هل تستطيع إدارة أوباما عزل إيران، وهي تحتاجها في العراق وأفغانستان وابعد؟ يجيب كليمونز: «إذا كانت الدولتان ذكيتين ستجدان وسيلة لتبادل الشتائم في العلن حول بعض الأمور، وتجدان توافقاً وتعاوناً وبناء ثقة في أمور أخرى».

يضيف: «إذا عدنا إلى الوراء ونظرنا إلى العلاقات الأميركية - السوفياتية والأميركية - الصينية، ندرك انه لا يجوز وضع كل البيض في سلة واحدة. لذلك يجب التكثيف من تداخل العلاقات الأميركية - الإيرانية كي تنشغل بها الدولتان وتتحملان كل الحرارة التي ستترتب عن التراشق الكلامي الاضطراري بين احمدي نجاد وأوباما على بعض الأصعدة، على أن يكون على أصعدة أخرى نوع من الاتصال. واعتقد بأن هذا ما سيحاول عمله أوباما فانه يتماشى مع حس الإيرانيين الشطرنجي».

قد يكون هذا ما تريده إيران أيضا، فهي لا تريد أن يدير الإصلاحيون الحوار مع أميركا، بل المتشددون، من هنا كان إصرار خامنئي وأحمدي نجاد وآخرين على تثبيت رئاسة احمدي نجاد. وهناك منطق في هذا الطرح كما يقول كليمونز: «لأننا نحتاج في إيران إلى ريتشارد نيكسون الذي كان من اشد أعداء الشيوعية، فأرسى قواعد العلاقة مع الصين، وإيران تحتاج إلى أكثر المتشددين في عداوته لأميركا مثل احمدي نجاد».

في السابق صب الإيرانيون جام غضبهم على أميركا لأنها خطفت منهم انقلاب مصدق. اليوم خطف النظام الإيراني الحالي من شعبه حقه بالتصويت، لذلك يشعر الإيرانيون بأن حكومتهم حلت محل أميركا 1953 بحرمانهم من حقهم. وكما كرهوا أميركا بسبب مصدق، فإنهم سيكرهون هذا النظام بسبب هذه النتيجة. لكن، لا تغيير للنظام في إيران، سيحدث فيها مثلما حدث في الصين. سيكون هناك نوع آخر من النظام الإسلامي الإيراني، إنما مع رأس مال، ومشاريع وأرباح.