الأمل والتغيير.. لكن ليس لإيران

TT

نزل الملايين من الإيرانيين إلى الشارع في تحد للدكتاتورية الكهنوتية، التي تمثل ضمن خصائصها الأخرى عدوا واضحا للولايات المتحدة وقيم التسامح والحريات التي تمثلها. والمتظاهرون مستمرون في المقاومة بمفردهم وينتظرون مجرد كلمة بأن الولايات المتحدة تقف إلى جانبهم.

ولكن ماذا سمعوا من الرئيس الأميركي؟ إنه الصمت، والأسوأ، أن الرئيس خرج بعد ذلك بثلاثة أيام يعلن بوضوح عن سياسته؛ التي تتعلق بـ«استمرار الحوار» مع قادتهم الدينيين.

أنقيم حوارا مع نظام يكسر الرؤوس ويطلق النار على المتظاهرين ويطرد الصحافيين ويعتقل الناشطين؟ أنتواصل مع قادة منتخبين في عملية بدأت بالخداع (لم يسمح باختيار سوى أربعة مرشحين من بين 470) وانتهت بالتلاعب الواضح؟

ثم يتحدث الرئيس بعد تعامله مع تلك الثورة الشعبية على أنها غير ملائمة للعمل الحقيقي لمفاوضات أوباما ـ الخميني، عن «بعض ردود الفعل الأولية من المرشد الأعلى التي تشير إلى تفهمه مخاوف الشعب الإيراني العميقة حول الانتخابات».

من أين نبدأ؟ من المرشد الأعلى؟ يجدر بك أن تلاحظ الاهتمام المبالغ فيه الذي يعطيه الرئيس الأميركي لذلك الديكتاتور الديني، الذي عرض، في الوقت الذي كانت فيه قواته تهاجم المتظاهرين، إعادة فرز الأصوات في بعض الدوائر الانتخابية. وهو ما يعد مسرحية هزلية لن تحل قضية تزوير الانتخابات.

علاوة على ذلك، فإن هذه الثورة الأولية لم تعد تتعلق بالانتخابات، وأوباما لا يفهم ذلك. لقد قدمت الانتخابات المساحة السياسية ووفرت الشرارة لاشتعال حالة العداء ضد النظام التي كانت تضطرم منذ أعوام وتنتظر اللحظة المناسبة. فالشعب الإيراني لا يموت في الشوارع لأنه راغب في إعادة فرز الأصوات الانتخابية في ضواحي أصفهان، بل لأنه راغب في إسقاط هذا النظام الكهنوتي الديكتاتوري المعادي للنساء والفاسد الذي فرض نفسه بالمستأجرين المدججين بالسلاح الذين يهاجمون المتظاهرين الآن.

بدأت تلك المظاهرات بسبب تزوير الانتخابات، لكن ككل الثورات، تجاوزت سبب اندلاعها، والذي على المحك الآن هو شرعية النظام ومستقبل الشرق الأوسط بأسره.

ستنتهي تلك الثورة إما مثلما حدث في تيانانمن، أو كثورة حقيقية تسقط نظام الملالي.

الفرضية الأخيرة بعيدة الاحتمال، ولكنها أصبحت ممكنة لأول مرة منذ 30 عاما. ولك أن تتخيل النتائج، ستشكل ضربة قاضية للراديكالية الإسلامية التي تعد إيران نموذجها وحاملة لوائها وممولها وداعمها بالسلاح في عالم اليوم. وسوف تفعل بالحركة الإسلامية ما فعله الاتحاد السوفياتي بالشيوعية ـ ستتركها إلى الأبد بلا دعم مالي وفاقدة المصداقية.

وسوف تطلق تلك الثورة حربا عربية ثانية في المنطقة. كانت أولاها قد أجهضت في 2005 ـ طرد سورية من لبنان والانتخابات الأولى في العراق والخطوات الأولية التي اتخذتها مصر ودول الخليج نحو الحرية ـ بالهجوم المضاد الشرس من قوى القمع والرجعية التي قادتها ومولتها إيران.

والآن وقد خسر حزب الله الانتخابات في لبنان ومع تأسيس العراق لمؤسسات ديمقراطية فتية، فإن سقوط الدكتاتورية الإسلامية في إيران سيكون له تأثير مُعْدٍ. وسيصبح الاستثناء ـ العراق ولبنان ـ قاعدة، وستصبح الديمقراطية هي الموجة السائدة، وتصبح سورية منعزلة، وحزب الله وحماس بلا نصير، وسينعكس مسار المنطقة كلية.

كل شيء موضوع في الميزان؛ فخامنئي سيقرر ما إذا كان سيحول المسألة إلى تيانانمن، ومن الذي ستسانده إدارة أوباما؟ لا أحد، عدا الرغبة في ألا يقف هذا «النزاع القوي» (التعبير اللطيف المشين الذي صرح به المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس) حول المخالفات الانتخابية في وجه التواصل الإيراني الأميركي بشأن الأسلحة النووية.

حتى من هذا المنظور الضيق للقضية النووية، فإن الحسابات الجيوسياسية للإدارة عبثية، فليس هناك بارقة أمل في أن تؤدي أي من تلك المحادثات إلى إثناء إيران عن طموحها النووي. وقد أعلن الرئيس أحمدي نجاد مرة أخرى يوم الاثنين أن الملف النووي «أغلق للأبد». وأصبح الأمل الوحيد في حل المسألة النووية هو تغيير النظام الذي (إن كان النظام الذي سيخلف نظام الملالي معتدلا كالذي كان قبل الثورة) يمكنه إما وقف البرنامج أو جعله غير مهدد وتحت السيطرة.

تلك هي مصلحتنا الرئيسية. وتملي علينا قيمنا الأساسية أن تقف أميركا مع المتظاهرين المعارضين لنظام يناقض كل ما نؤمن به.

وأين هو رئيسنا؟ إنه يخاف من دس أنفه. يخاف من أن يتخذ موقفا بين كاسري رؤوس وفارضي قيود على النساء ومصدري الإرهاب وبين أفراد في الشارع تواقين إلى تنسم عبير الحرية. إن هذا هو ما يصدر عن رئيس يتخيل نفسه الشخص الذي سيعيد إحياء القيم الأميركية في العالم؟!

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»