قبل أشهر من استحقاق انتخابي: حراك في المشهد السياسي التونسي

TT

على بعد أشهر قليلة جدا من استحقاق انتخابي برلماني ورئاسي، بدأت تظهر في تونس علامات انفراج في المشهد السياسي، أسهمت بدورها في خلق نوع من الحراك الإيجابي القابل لمزيد من التنامي، كي يصل إلى إشباع أكثر ما يمكن من توقعات مكونات الحياة السياسية وحساسياتها الفكرية. ويمكن حصر ما تم توصيفه بعلامات الانفراج في مظهرين اثنين يؤكدان السعي إلى امتصاص شيء من التوتر الحاصل بين الدولة وما يسمى بالمعارضة الراديكالية في تونس. وتظهر علامة الانفراج الأولى في توفير الدولة لحزب التكتل من أجل العمل والحريات فضاء عموميا لعقد المؤتمر الأول الخاص به، مع العلم أن رئيس الحزب السيد مصطفى بن جعفر الذي يُحسب في خانة المعارضة الراديكالية التي أهم ممثل لها الحزب التقدمي الديمقراطي الذي تترأسه السيدة مي الجريبي.

وللعلم فإن حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات حصل على تأشيرة العمل القانوني يوم 25 أكتوبر 2002 ويصدر جريدة تنطق بتوجهاته عنوانها «مواطنون». إن مجرد توفير فضاء عمومي لهذا الحزب لعقد مؤتمره الأول أخيرا ومساعدته في ذلك وهو المؤتمر الذي أسفر عن انتخاب مصطفى بن جعفر أمينا عام للحزب، يشكل في حد ذاته بارقة انفراج ويتضاعف تقويم هذه البارقة عندما نضع في الاعتبار أنه انفراج حصل بعد بلوغ التوتر ذروته، حيث إن السيد الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات قد صرح خلال حوار صحافي أدلى به إلى صحيفة سويسرية في مارس من العام الجاري بتصريحات أثارت احتجاجات بالغة. وقد أعلن بن جعفر في هذا الحديث بأنه على المجموعة الدولية التعامل مع تونس كمخبر، مؤكدا على دور الغرب في فرض الديمقراطية. وقد اعتبرت أطراف عديدة أن تصريحات بن جعفر لا تخلو من دعوة صريحة للتدخل الأجنبي والاستقواء بالأجنبي. في حين أن «المتهم» بهذه الدعوة اعتبر أن هذه الاحتجاجات أشبه ما تكون بـ« زوبعة في فنجان» وأن مسألة السيادة الوطنية قاسم مشترك بين جميع أطياف المشهد السياسي التونسي.

لذلك فإن توفير فضاء عمومي لحزب مصطفى بن جعفر لعقد مؤتمره الأول بعد حوالي شهرين ونصف من تاريخ هذه التصريحات، يمكن التعاطي معه كخطوة إيجابية لإخماد التوتر لا سيما أن أمين عام التكتل من أجل العمل والحريات صرح بأنه لولا إرادة الرئيس بن علي لما كان سيتمكن من توفير الفضاء العمومي اللازم لعقد مؤتمره. بل إن الانفراج تقدم خطوة إضافية إلى الأمام عندما وجه التكتل من أجل العمل والحريات دعوة للحزب الحاكم لحضور المؤتمر وهي الدعوة التي تمت الاستجابة لها الشيء الذي يؤكد منحى الانفراج والانفتاح مع المعارضة الراديكالية. أيضا يمكن اعتبار مسألة حفظ قضية نشر ضد صحيفة «الموقف» التابعة للحزب الديمقراطي التقدمي أكثر الأحزاب التونسية راديكالية، مظهرا آخر من مظاهر الانفراج الرمزي والأولي إزاء هذا الحزب ورموزه.

ولكن نعتقد أن ما يعكر صفو الانفراج المشار إليه، هو مشكلة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي شهدت تفاقما متناميا في المدة الأخيرة، وذلك على إثر خلاف تمّ بين أعضاء المكتب التنفيذي وصحافيين منخرطين، حيث يرى المعنيون بالهجوم أن ما يحدث هو بتحريض من السلطة بسبب موقفهم من تقرير الحريات، في حين أن السلطة ترى أن الخلاف داخلي ويخص الإعلاميين فقط. وفي المقابل يعتبر «المنشقون» أن بعض أعضاء المكتب التنفيذي يقومون بتجاوز للقانون الأساسي للنقابة، وأنهم يتبنون دعوة مجانية للمواجهة، مخيرين أن تنصب اهتمامات النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين على تحقيق المكاسب الاجتماعية للإعلاميين التونسيين.

بيت القصيد وبلفت النظر عن الطرف صاحب المقاربة الأكثر منطقا إزاء هذه المشكلة، هو أن تأكيد علامات الانفراج المذكورة وتوسيعها بنحو يعبد الطريق الصحيحة للاستحقاق الانتخابي البرلماني والرئاسي القادم، يشترطان أن يتحول موضوع الخلاف الدائر داخل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من مشكلة إلى علامة انفراج ساطعة وقوية.

[email protected]