«الجكسنة»!

TT

عزيزي القارئ سؤال بسيط: هل أنت «تجكسن»؟ صبرا قليلا قبل الجواب. منذ أيام توفي الفنان العالمي مايكل جاكسون وتحول خبر وفاته، بل خبر إدخاله للمستشفى، الخبر العاجل الأول على معظم محطات العالم التلفزيونية ومواقع الإنترنت الإخبارية دون استثناء. فإذا كنت ممن شاركوا في التقصي ومحاولة معرفة المزيد من الأخبار عن حالته الصحية فأنت كنت لحظتها «تجكسن». إنها صورة فورية لمشهد توحد فيه العالم وأبدى اهتماما مشتركا لشخصية بعينها. مايكل جاكسون كان ماكينة صناعة متحركة. جيش من المساعدين والأخصائيين في مجالات الموسيقى والعلاقات العامة والصورة الذهنية والتواصل الإعلامي والإنتاج والماكياج والرياضة والحرس الخاص والقانونيين والمحاسبين كان يحيط به في كل تحركه لأنه كان في يوم من الأيام مصدر دخل بمئات الملايين من الدولارات في معظم دول العالم.

وتحول مع الوقت إلى أول نجم عالمي بحق وليثبت أنه حتى في الفن توجد عولمة. كان هناك إبهار مقصود في كل ما كان يقوم بعمله سواء إنتاج إصداراته الموسيقية أو الصخب الذي يدور معها من إنتاج مصور لبعض الأغاني أو الحفلات الترويجية المصاحبة لها. فلم يكن غريبا أن يكون هناك توافق مدروس بعناية فائقة في إصداراته في مناطق بعيدة، فكوالالمبور وطوكيو وبيونس آيريس وروما ولندن وميونخ كانت بذات الحلة والجاهزية مثل نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس. فن تخطى الحدود حول مايكل جاكسون إلى حبيب الجماهير ليؤكد مقولة العالم الاجتماعي المصري الكبير الدكتور جلال أمين إننا فعلا نحيا في «عصر الجماهير الغفيرة»، فالتفكير الاستهلاكي الكبير أدى إلى أن يكون هناك تبعية مطلقة لأي «ماركة» عابرة للحدود. مثل جماهير مقهى «ستاربكس» أو ملابس «أديداس» الرياضية أو مشروبات «الكولا» أو الهامبرجر الذي يقدمه «ماكدونالدز» وغيرها طبعا من الأمثلة المعروفة.

ومايكل جاكسون كان يمثل نفس الشيء في عالم الغناء، حتى حينما تحولت أخباره من الفن الممتع إلى العالم الغريب من قضايا وعمليات تجميل وبات شكله أشبه بالفزاعة نتاج التشوهات التي طرأت عليه بسبب عمليات التجميل التي كان يقوم بها بشكل دوري بحيث بات من الصعب تصديق أنه نفس الشخص الذي انطلقت مسيرته الغنائية مع أشقائه في مدينة نماري بولاية إنديانا الأمريكية ذات يوم. مايكل جاكسون كان بفنه حديث الناس وكان بأطواره المريبة حديث الناس وظل حديث الناس وهو يغادر هذه الدنيا. وعربيا يذهلني هذا النهم المحموم المتواصل منذ وفاته بمحاولة «إثبات» أنه مات مسلما ويستشهدون بقصص وروايات أشبه بأساطير الأولين. ولا أعلم تحديدا أي قيمة مضافة «محترمة» ستكون حينما يعرف العالم أن مايكل جاكسون كان مسلما. مايكل جاكسون يموت ليظل يثبت أن الإنسان كفرد والعالم كقرية صغيرة قادر على «صناعة» الأسطورة وتذويبها في ثقافات لا علاقة لها بالأخرى بشكل يدعو للدهشة. في نهاية حياته لم يعد مايكل جاكسون زنجيا أو أمريكيا أو أفريقيا ولا هو أبيض بطبيعة الحال، كما أنه لم يعد أمريكيا صرفا مائة في المائة أيضا. تحول جاكسون إلى منتج عالمي ملك لكل الناس بلا هوية وطنية وبلا حدود. إنه منتج «عولمة» بامتياز. ولذلك كان من الطبيعي أن يُطرَح السؤال مرة أخرى: هل كنت «تجكسن»؟

[email protected]