موسوي وخيار ذو ثلاث شعب

TT

إلى أين سنتجه من هنا؟ يجب أن يكون ذلك هو التساؤل الذي يجب على مير حسين موسوي، المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، أن يسأله لنفسه، لكن الإجابة على ذلك لن تكون سهلة.

لقد وضع رئيس الوزراء الأسبق نفسه، منذ بداية ترشحه في موقف المحافظ الراغب في الإصلاح وهو موقف لم يمنحه سوى مساحة محدودة للمناورة. ولم يقدم موسوي برنامجا واضحا سوى وصف نفسه بالمرشح المناوئ لنجاد، حتى أن مؤيديه الذين أطلقوا عليه لقب «إصلاحي» كانوا غير قادرين على تحديد ما يرغب في إصلاحه وكيف. ومع انتهاء الانتخابات اتخذ موسوي المحافظ الراغب في الإصلاح أيضا موقفا محدودا عبر طلبه إعادة فرز الأصوات ثم إجراء انتخابات جديدة، لكنه لم يحصل على أي منهما.

وكل ما كانت الحكومة على استعداد لتقديمه هو إعادة فرز عشوائي لـ10% من الأصوات انتهى بصورة أكثر إذلالا لموسوي، فقد خفضت إعادة إحصاء الأصوات نسبته ورفعت نسبة نجاد.

لكن استراتيجية موسوي مستغلقة الفهم، فإذا كان على يقين من أن السلطات رتبت نتائج الانتخابات لضمان فوز نجاد فكيف به أن يتوقع أن تؤدي إعادة إحصاء الأصوات أو إعادة الانتخابات من قبل السلطات إلى نتائج مختلفة؟

يقع موسوي الآن في مواجهة ثلاثة خيارات.

أولها أن يستمر في نضاله ضد نتائج الانتخابات وأن يتصرف كفائز. وهو أمر لم يكن بمقدوره القيام به منذ جيل مضى لأن مؤسسة الخميني في ذلك الوقت كانت ستأمر بتصفيته. بيد أن قيام النظام في الوقت الحالي بترتيب سقوطه تحت حافلة أمر مستبعد فروابط عائلته بالمرشد الأعلى على خامنئي تقدم ضمانات إضافية تحول دون ذلك. مثل ذلك الموقف لن يؤتي نتائج مباشرة بالنسبة لموسوي، بل سيضفي شكوكا حول شرعية أحمدي نجاد.

ومن ثم سيصبح موسوي النسخة الإيرانية من أونغ سان سو كي، الزعيمة الديمقراطية البورمية، التي سرقت الحكومة العسكرية في رانغون فوزها في الانتخابات ووضعتها قيد الإقامة الجبرية في منزلها لأكثر من عقد.

أما خيار موسوي الثاني فيتمثل في تنظيم مؤيديه أو على الأقل بعض منهم في حزب أو جماعة سياسية ومواصلة النضال في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، أو برلمان إيران البديل، عام 2011.

فمحاولة التلاعب في نتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي أصعب من التلاعب في الانتخابات الرئاسية ومن ثم فقد تتمكن مجموعة موسوي من تأمين مكانة لها في الهيئة التشريعية.

بيد أن نجاح تلك الاستراتيجية يستلزم أن يصلح موسوي علاقته مع المرشد الأعلى وأن يقدم خطة للمعارضة الموالية له داخل النظام.

قد تضمن تلك الاستراتيجية عدم تعرض موسوي للأذى البدني، حتى أنها قد تمكنه، بمرور الوقت، من الترشح مرة أخرى لانتخابات الرئاسة. بيد أنه قد يتساءل حول الفائدة من اختيار مثل هذا المسار. فعندما يحصل على الشرعية ستتضاءل فرصه في تغيير أسس النظام كقائد لمعارضة موالية للنظام الاستبدادي. وستبدو أي محاولة لتسويق الخمينية بوجه إنساني كالمحاولات السابقة في القرن الماضي لترويج الشيوعية بوجه إنساني. وأقصى ما قد يستطيع موسوي تحقيقه عبر تلك الاستراتيجية أن يصبح نسخة إيرانية من مأساة إصلاحيين مثل إدوارد اوتشاب ووالديسلو غوميولكا وإمري ناجي وجانوس وكادار وألكسندر دوبسك.

الخيار الثالث أمام موسوي يتمثل في إخبار مؤيديه أن النظام القائم لا يمكن إصلاحه ويجب استبداله بنظام جديد مبني على مبدأ سيادة الشعب.

وبفضل قرار موسوي بالنضال أفرزت الأزمة الحالية نتيجة إيجابية واحدة على الأقل، ألا وهي الكشف عن التناقض في اسم الجمهورية الإسلامية. فقد تقلصت مساحة الجمهورية إلى الحد الأدنى منذ بداية العهد الخميني. وقد نشرت وسائل الإعلام الرسمية في طهران يوم الثلاثاء نص خطبة مطولة للمرشد الأعلى أظهرت طبيعة النظام. فقال خامنئي: «المجتمع الإسلامي هو مجتمع الإمامة وهو ما يعني أن الإمام على رأس النظام وأنه (أي الإمام) يضطلع بالسلطة لأن الشعب يتبعه كقائد له من قلبه ولأنه يؤمن به إيمانا مطلقا».

لم يأت خامنئي على ذكر الرئاسة أو أي مؤسسة أخرى في الدولة فالنظام الذي يدافع عنه لا يملك سوى مؤسسة وحيدة هي الإمامة.

ومع تهاوي المزاعم بالديمقراطية والإرادة الشعبية يصبح النظام الحالي في إيران أشبه ما يكون بنموذج الإمامة التي كانت من قبل في اليمن والإمارة الإسلامية في أفغانستان إبان حكم طالبان، لا كجمهورية يمكن لموسوي أو أي فرد آخر أن يطالب فيها بالسلطة بناء على فوزه في الانتخابات. كما تضمنت أحاديث خامنئي أيضا تحذيرا واضحا باستعداد النظام لإراقة حمام دماء للحفاظ على السلطة، فقال «لو قتل الشاه نصف مليون شخص لما سقط نظام حكمه».

كما انتقد الجبهة الجزائرية للإنقاذ الإسلامي لعدم مناداتها للجماهير بالنزول إلى الشوارع وإراقة الدماء عبر مواجهة الجيش، فقال: «لو نزلت الحشود إلى الشوارع لكانت هناك حكومة إسلامية اليوم في الجزائر، لكنهم كانوا خائفين وأظهروا الضعف».

ويبدي المرشد الأعلى إعجابه بالمذبحة التي قتل فيها مليون شيوعي في إندونيسيا في ظل حكم الجنرال سوهارتو، التي زعم أنها أنقذت النظام في تلك الدولة. لقد نجح، موسوي، ذلك البطل المعارض، في رسم خطوط المعركة الحقيقية في السياسة الإيرانية، لكن رغبة موسوي في الوجود على تلك الخطوط والمدة الزمنية التي سيثبت فيها على موقفه ومدى عزمه، لا تزال أمورا محل ترقب.