خواطر ما بعد إيران: ينبوع الدعم والصمود

TT

ثمة ظاهرة حكمت عددا من الأنظمة في السنوات القليلة الماضية على نحو عجيب. ولا أريد أن أقول على نحو عجائبي. أفكر مثلا في نظام هوغو شافيز في كاراكاس. رجل بلا أي كاريزما مظهرية، بعكس الجاذبية التي كان يتمتع بها نموذجه المثالي كاسترو. وهو ديكتاتور معلن وطوعي، يتصرف في أموال الدولة وثرواتها دون العودة إلى حكومة أو برلمان أو ديوان محاسبة. وبكل بساطة يعلن، مثلا، تقديم وقود التدفئة إلى فقراء الولايات المتحدة، وكأن ثروة بلاده ملك شخصي. أو كأن الشعب فرقة موسيقية يجب أن تغني له. ومع ذلك يصمد برغم كل محاولات أميركا لإسقاطه. ولا يتجاوز فكره أو فلسفته أو معرفته، رفع الشعارات الفارغة وتمجيد الأبطال القدماء والانتماء المزور إلى نسبهم وتراثهم وتحويل تاريخهم البطولي إلى فرقة موسيقية أخرى في القصر الجمهوري.

كيف يمكن أن ينجح ديكتاتور من هذا النوع كل هذه المدة في بلد لا يشكو من قلة المثقفين والمفكرين والمتقدمين؟ ينجح بدعم من عدوه. كان يعرض على الناس كل يوم صورة جورج بوش أو صورة دونالد رامسفيلد أو صورا متحركة لديك تشيني. المشكلة أن الرئيس الأميركي يتسلح بأنه يُنتخب من الشعب وبذلك يتحول إلى أسوأ ديكتاتور ديمقراطي في العالم. وفيما كانت حرب فيتنام تنحسر وفضيحة ووترغيت تتصاعد اختار المؤرخ آرثر شليسنغر، المقرب من جون كينيدي ذات يوم، «الرئاسة الإمبريالية» عنوانا لكتابه. لقد أخذ التكساسي ليندون جونسون إلى فيتنام من دون ترخيص من الكونغرس. ووسع ريتشارد نيكسون الحرب إلى اللاوس وكمبوديا أيضا من دون «إعلان من الكونغرس». ما الفرق إذن بين قيصر روما وساكن البيت الأبيض؟ لم يعد للسلطة البرلمانية (النقاش، المداولة، استطلاع مشاعر ومواقف للناس) أي مكان في النظام الأميركي. وبعد أيلول 2001 قضى جورج بوش على كل ما تبقى. ووضع أميركا والأمم المتحدة والحلفاء على دبابة عسكرية تَوجّه بها إلى العراق وأفغانستان رافعا علم الديمقراطية. وكما عزلت أميركا ذوي الأصول اليابانية بعد بيرل هاربور في معتقلات خاصة، أقامت معتقل غوانتانامو وحولت البلاد إلى معسكر بلا جدران. في كاراكاس، كان شافيز يزدهر ويتوسع. وكان يتمدد، بأموال النفط، عبر أميركا اللاتينية. وكانت الأنظمة الواهية التي لا تمتلك من المقومات الشرعية سوى العداء لأميركا والخطب المعادية لجورج بوش، تستمد إكسير الحياة من مضحكات مبكيات كارثيات جورج بوش. ففي الحقيقة ليست الصين هي التي حولت أميركا إلى نمر ورقيّ، ولا الاتحاد السوفياتي، ولا دول عدم الانحياز، بل هي أميركا. الرئاسة الإمبريالية، كما سمّاها أشهر مؤرخي واشنطن في القرن الماضي.

إلى اللقاء.