خواطر ما بعد إيران: العثور على الباب الكوني

TT

كان القرن العشرون، وهو فترة زمنية بسيطة جدا، قرن زوال وقيام الإمبراطوريات: بدأت بانتهاء الإمبراطورية العثمانية التي امتدت على خمسة قرون والتي دمرت حصون بيزنطيا، أي روما الشرق. وبعد أربعة عقود بدأت تتساقط الإمبراطوريات المسيحية التي ورثتها، أي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا. وقامت في المقابل دولتان لهما الصفة الإمبراطورية، أميركا خلف الأطلسي، وروسيا السوفياتية خلف الدانوب. لكن هذه ما لبثت أن انهارت أيضا، بدءا بأطرافها البعيدة، مثل روما واسطنبول من قبل، فسقطت في برلين ثم في تشيكوسلوفاكيا ثم في بلاد البلطيق، حيث انكشف «الستار الحديدي» عن أجمل نساء في الأرض... وبعد السوفيات، بدأت الإمبراطورية الأميركية التفكك في أطرافها.

بعكس لعبة التداول التي أتقنها التاريخ، لم يؤد سقوط الإمبراطوريات إلى قيام إمبراطوريات بديلة. الدول المستقلة حديثا أو الخارجة من نير الاستعمار، والتي حاولت التجمع في كتل وتحالفات وتجمعات، ما لبثت أن تفككت بدورها، ينخر فيها الفساد وتشلها الديكتاتورية ويمعن الفقر في نحرها.

دولتان فقط، من ذوات الاعتبار ومستوى المكونات الكبرى، دخلتا مرحلة الاحتمال الإمبراطوري: الصين والهند. الأولى، لها تاريخ قديم في ذلك، وتقوم على تجانس شديد، وعلى فكر إمبراطوري، سواء في بدايات التاريخ أو في المرحلة الشيوعية، التي أصبحت الآن شيوعية بلون أزرق، وبدل السور العظيم، الانفتاح العظيم، وبدل المنجل والمطرقة، مصانع «جنرال موتورز» التي أفلست في أميركا.

الهند لا تملك هذه السمات التاريخية ولا هذه الميزات الاجتماعية. لقد اعتادت أن تكون هي مطمح الإمبراطوريات، من الإسكندر إلى اللورد مونتباتن، وليس أن تكون هي المقر الإمبراطوري. لماذا؟ راجع بوذا. ربما كل الأجوبة في حضنه.

أدركت إيران أن العصور قد تبدلت وعودة الإمبراطورية أمر شبه مستحيل. لم تعد الإمبراطوريات تقام على طريقة قورش. ولكن لم تستطع أيضا أن تزيل الفكرة من رأسها. وظن الشاه أن الاستعادة تكون في الرومانسيات وتكديس طائرات الفانتوم والثياب الإمبراطورية المذهبة. لكن ثمة من اكتشف سبيلا أكثر اتساعا وكونية من تاريخ فارس: الإسلام.