ولم نستوعب تماما ما قال!

TT

كان لطفي السيد باشا، أستاذ أساتذتي في الفلسفة. وبلدياتي. ومن مفاخرنا. وفى سنواته الأخيرة (1872 ـ 1963) وكنت رئيسا لتحرير مجلة «الجيل» أتردد عليه. وأجلس وأنظر وأطيل التأمل. فقد كان يقول كلاما كبيرا. وبصورة حادة. كأنه يقول 2+2=4، فهي بديهية لا شك فيها..

كان يقول: الشباب.. صانع المستقبل. ولا أمل في بلدنا إلا الشباب. يجب أن نعطيه الفرصة. وأن نصبر عليه. ولا ننسى أننا كنا شبابا. وكنا نلقى معارضة من أبائنا.. يجب ألا ننسي أننا كنا صغارا. ولذلك يجب أن نعطي للشباب فرصة وعذرا أنهم ولدوا في حاضرنا ليعيشوا بعدنا..

وكنت لا أستوعب ما يقول. كأنه يتحدث عن غيرنا.. كأننا لم نكن شبابا. وكأننا لا نستطيع أن نحقق له وبه ما يريدنا أن نفعله.

أكذب لو قلت إنني وعيت تماما نصائح أو نبوءات أستاذ أساتذة الجيل، لطفي السيد باشا. وعندما كان يتحدث عن أرسطو، لا أدعي أنني فهمت ما كان يقول، رغم أنني أيضا تخصصت في الفلسفة. وقد ترجم لطفي السيد باشا، كتاب «الأخلاق إلى نيقوماخوس» للفيلسوف أرسطو. وأنا أعجب بأرسطو ولكن أفضل عليه تلميذه الأديب الفنان أفلاطون. فالمحاورات التي كتبها أفلاطون عن أستاذه سقراط هي أروع وأبدع ما ظهر في الأدب الإغريقي. وسقراط محاور، وأفلاطون أديب، وأرسطو فيلسوف.

ولطفي السيد باشا، كان عاشقا لأرسطو. وكنت أرى في ملامحه الصارمة وعباراته القاطعة: أرسطو العرب.

ومنذ أيام ظهرت في التليفزيون، وضبطت نفسي أكرر لطفي السيد باشا. وأحسست كأنني سرقت أفكار الرجل. فقلت معتذرا: هذا الذي أقول قد سمعته من أستاذ الأساتذة لطفي السيد. ولم أكن أعرف معناه تماما. واليوم عرفت كم كان حكيما بعيد النظر.. ولم نكن كذلك!