ارتفاع المد المناوئ للحكومة

TT

يجب على الأميركيين أن يراقبوا بعناية حالة العداء الموجهة ضد السياسيين والحكومة التي ظهرت في كاليفورنيا مؤخرا. فكما كان مقترح 13، أو ما يدعى «مبادرة الأفراد لتقييد ضريبة العقارات»، والحركة ضد الضريبة عام 1978 من المبشرات بانتصار ريغان الرئاسي، فإن نتائج التصويت الأخير نذير لما سيأتي.

وكان من الممكن أن يكون رفض مؤسسة كاليفورنيا من خلال سلسلة من هزائم المبادرات أكثر حسما. رفضت خمسة مشاريع قانونية خاصة الإنفاق والضريبة بنسبة تراوحت بين 62.6% إلى 66.6% من المصوتين، وهو ما يعد أغلبية ثابتة للاحتمالات البعيدة. ووافقت أغلبية كبيرة، بلغت 73.9%، على الاقتراح الخاص بوضع قيود على مرتبات المسؤولين المنتخبين، حال عجز الميزانية. ويعد هذا التصويت ثاني إشارة كبرى على أن الشعب الأميركي سأم السياسيين الفاسدين، والبيروقراطيين المتعجرفين، وأصحاب المصالح الجشعين، والحكومة المدمرة والعاجزة.

وقد تجاهلت النخب أو سخرت من الدلائل الأولى لهذا التمرد، بيد أنه سيصعب تجاهل ذلك التصويت الكبير ضد الإنفاق، وضد الضريبة، حيث سيحاولون القيام بذلك. وقد تحدث الناخبون في ولايتنا الكبرى صراحة، لكن السياسيين وأعضاء جماعات الضغط في سكرامنتو يتجاهلون إرادة الناخبين، كما هو الحال في مدينة ألباني وترينتون. وقد تخطت الولايات ذات آليات الحكم الضخمة بصورة أساسية سيطرة المواطنين عليها، وصارت قلاعا للفساد والمحسوبية والإسراف، وباتت حكومات تلك الولايات تدار من قبل جماعات الضغط التابعة للاتحادات المختلفة عبر البيروقراطيين الساعين إلى فرض قيم اليسار المقاتل. وقد أصبحت الأموال وأصحاب المناصب الأذكياء وسيلة لتزوير الانتخابات، إلى حد أن عملية الحكم الذاتي باتت مهددة.

وسيقوم سياسيو سكرامنتو الآن برفض دعوة الناخبين إلى ضرائب منخفضة وإنفاق أقل، وسيرحبون بالآلية البيروقراطية الضاغطة التي تهاجم كاليفورنيا، وتعوق اقتصادها، وتخدع ساكنيها. وذلك النموذج من الضرائب المرتفعة مع عدم الكفاءة في الإنفاق الضخم، قاد الآلاف من سكان كاليفورنيا الناجحين إلى خارج الولاية (حاملين معهم ما يقرب من 11 مليار دولار عائدات ضرائب سنوية)، وسوف تستمر تلك الهجرة الجماعية.

حاكم ولاية كاليفورنيا، أرنولد شوارزينغر، رجل ذكي وقوي وقائد كاريزمي أجبر على الخضوع للسياسات التي يعلم أنها ترهق كاليفورنيا، نيابة عن المصالح التي يعلم أنها تخدع الولاية. وقد كان فشله في ترويض المنظومة التي تتألف من البيروقراطيين وجماعات الضغط والنقابات التي تسيطر على السلطة التشريعية دليلا على مدى قوتها. كما تعد مدينة ألباني أكثر فسادا وقصورا في أداء عملها، فالمصالح الخاصة التي تهيمن على المشرعين في كلا الحزبين كانت تستغل نيويورك على مدى جيلين، فقد أفقروا القسم الشمالي من الولاية إلى الحد الذي باتت فيه منطقة شاسعة بلا وظائف أو فرص. وقد بدأت الضريبة الكبيرة وسلوك النقابة البيروقراطية في إعاقة مدينة نيويورك. وقد بدأ العديد من سكان نيويورك في مغادرة الولاية. ولمواجهة الأزمات المتعاقبة، أظهر الحاكم ديفيد باترسون نفسه عاجزا عن تنفيذ إصلاح. وبصيغة أخرى.. إن الآلات السياسية في كاليفورنيا ونيويورك تحطم اقتصادات الولايتين، وتتسبب في خروج أبنائهما الناجحين منهما، لكن تلك المنظومات لا تعبأ بذلك، لأن ما يرغب فيه واضعوها هو امتلاك الحطام.

وقد ظهر هذا النظام في تدمير المجتمعات، نيابة عن جماعات المصالح للمرة الأولى في ديترويت، عندما قادت الحكومة والسياسيون والسياسات السيئة المدينة، التي شهدت أعلى معدل دخل للفرد في الولايات المتحدة في عام 1950، إلى المرتبة رقم 62 في معدل دخل الأفراد في عام 2007. كما تراجع عدد السكان من 1.8 مليون نسمة إلى أقل من 950.000 نسمة. وفي الآونة الأخيرة بيع 1.800 منزل بأقل من 10.000 دولار للمنزل الواحد. وقد كانت التكلفة البشرية للسياسات والحكومة السيئة في ديترويت صادمة.

والآن يرغب الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد في فرض هذا الأسلوب من السياسة على الدولة، الذي يهيمن فيه البيروقراطيون والسياسيون وجماعات المصالح. وبالنظر إلى سجلهم، فإن أيا من المسؤولين المنتخبين لم يقرأ خطة التحفيز التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار، المكونة من 8.000 بند في المخصصات، وخطة لوكالة الحماية البيئية للتحكم في الاقتصاد عبر تشريعات نسبة الكربون، وتهديد الحكومة بالانتقام من الأشخاص الذين يحمون حقوق ملكيتهم من السرقة في خطة إنقاذ «كرايسلر». من جديد، ينتقل الفريق باتجاه حكومة تمتلك البلاد، بدلا من حكومة يمتلكها الشعب.

شاهِدوا سياسيي سكرامنتو وجماعات المصالح يعملون للهيمنة على أهل كاليفورنيا، وشاهِدوا سياسيي مدينة ألباني وجماعات المصالح وهم يسعون لتقويض اقتصاد نيويورك، وشاهِدوا عجرفة النخبة في واشنطن وهم يفرضون أسعارهم وصفقات خاصة على الشعب الأميركي، ثم انظروا بعد ذلك إلى أغلبية نسبتها أكثر من 62% في كاليفورنيا لصالح حكومة مصغرة، وضرائب أكثر انخفاضا. في عرف الحركات السياسية التي تنهض ضد النخبة الفاسدة والمتعجرفة سرعان ما يأتي حزب من الناس يجتث حزب الحكومة، وربما يكون هذا الحزب جمهوريا، وربما يكون ديمقراطيا، وربما يكون هناك حزب ثالث في بعض الولايات. ولقد تم تحذير السياسيين.

*رئيس مجلس النواب الأميركي في الفترة من عام 1995 إلى 1999.. ورئيس مجموعة «غينغريتش للاتصالات والاستشارات».. والرئيس العام لمنظمة «أميركان سوليوشنز فور وننغ ذا فيوتشر»

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ(«الشرق الأوسط»)