أين أخطأ الفرقاء في اليمن؟

TT

أما دعاة الانفصال فقد أخطأوا بالدعوة إلى الانفصال. أخطأوا لأنهم يعرفون جيدا أن إعلان الانفصال الذي تم في أثناء حرب صيف 1994 قد كان عاملا حاسما في ترجيح كفة الرئيس صالح ضد البيض الذي بادر بإعلان الانفصال من طرف واحد.

يقول أصحاب الانفصال إن الظروف قد تغيرت وإن «الشعب الجنوبي» قد أصبح على اقتناع تام بضرورة الانفصال بعد ما مر به من ظروف صعبة بسبب من الفساد وغياب دولة القانون. و يكون الرد بالقول إن الوحدة ليست مسؤولة عن الفساد، الوحدة لم تأتِ بالفساد، كان الفساد قبل الوحدة وبعدها وحتى بعد الانفصال لو حدث. الذين يناضلون اليوم ضد الوحدة إنما يحاربون على الجبهة الخطأ، ويصوبون سهامهم على العدو الوهمي، ويحاكمون متهما بريئا. الوحدة لم تأتِ بالفساد، بل لو تم الانفصال فإن الوحدة ستكون ضحية الفساد الكبرى. هذا شيء، والشيء الآخر: أن إعلان الانفصال يخدم السلطات التي يتهمها دعاة الانفصال بالفساد من عدة نواحٍ: أولها أنه يعطي هذه السلطات «شرعية وطنية» في مواجهة دعاة الانفصال واستخدام القوة ضدهم. وثانيها أن الدعوة للانفصال تجعل الكثير من معارضي النظام في صنعاء يلتفون حوله في مواجهة خطر الانفصال الذي لا يزال مرفوضا عند أقطاب المعارضة اليمنية الرسمية في الشمال والجنوب على حد سواء. إعلان الانفصال يُفقِد القضية الوطنية جوهرها ويفرّغ النضال السلمي من محتواه ويُفقِد الداعين إليه تعاطف قطاعات واسعة من الشعب اليمني، وقطاعات أوسع في المحيطين العربي والإسلامي.

نظرة سريعة إلى ما كُتب في هذا الموضوع خلال الفترة الماضية في صحف محلية وعربية تُجلي حقيقة أن الدعوة إلى الانفصال مرفوضة يمنيا وعربيا وعلى المستويين الإسلامي والدولي.

يخطئ دعاة الانفصال أيضا عندما يصنفون اليمنيين على مبدأ «إما معنا وإما مع الفساد»، يخطئون تماما ويعلمون أن الغالبية العظمى من اليمنيين ليست مع الفساد ولا مع الانفصال.

وأين أخطأ دعاة الانفصال أيضا؟

أخطأوا كذلك في بعض الشعارات العنصرية التي يحاولون حقن الشارع بها، تلك الشعارات التي لو كان مرددوها يعيشون في الغرب لتعرضوا للمساءلة القانونية برفع «شعارات عنصرية» تحرض على السلم الأهلي وتدعو إلى الكراهية، وتؤدي ـ لو قدر لها أن تستشري ـ إلى القضاء على السلم الاجتماعي حتى داخل الصف الجنوبي المليء كغيره بالتناقضات والحساسيات التي تؤججها شعارات رفعت أخيرا لا تسمح مهنية هذه الصحيفة بنشرها. يخطئون وهم يحرضون ضد أصحاب المهن والحرفيين وأصحاب المحلات الصغيرة من المحافظات الشمالية الذين يعملون في عدن وغيرها من مدن الجنوب اليمني لحملهم على ترك أعمالهم، يخطئون وهم يمارسون سياسة التمييز بين اليمنيين على أساس مناطقي وجهوي وهي عين التهمة التي يوجهونها ضد «نظام صنعاء».

يخطئ أصحاب الحراك عموما إذا أخرجوا حراكهم عن إطاره السلمي وأخرجوه عن المطالب المشروعة، والاستحقاقات الوطنية التي يمكن أن تجمع حولهم كل ألوان الطيف السياسي في اليمن وتعطي حراكهم الشرعية الوطنية والدستورية.

قراءة الواقع العربي والإقليمي مطلوبة، النظر في المعطيات الدولية ضرورة ينبغي أن يعني بها أصحاب الحراك، العالم اليوم يسعى إلى التكتل السياسي والاقتصادي، وفي ظل هذا المعطى يخطئ من يظن أن القوة والرخاء والكرامة تأتي من الانفصال.

وماذا عن الحكومة؟

الحكومة بالطبع هي المسؤولة دستوريا عن البلاد وهي تخطئ إذا أرجأت حلول المشكلات العالقة، ورحّلت الملفات الساخنة وغضّت الطرْف عن عمليات الفساد المستشري والنهب المتواصل لثروات البلاد، والمظلوميات الواضحة في ملفات الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، في الجنوب خصوصا واليمن بشكل عام. تخطئ الحكومة عندما تترك مجموعة من الفاسدين يفسدون على اليمنيين حلمهم الكبير المتمثل في إعادة تحقيق الوحدة، تخطئ لأنها بذلك تعطي المبرر لدعاة الانفصال أن يرفعوا اليوم ما كانوا ينفونه عن أنفسهم بالأمس.

المقاربات التي كانت تعتمدها الحكومات السابقة في اليمن لمعالجة الأزمات السياسية بشكل خاص بحاجة إلى مزيد من المراجعات، ليس بالضرورة أن تعتمد الحكومة على المقاربات السابقة ـ دون مراجعة أو تصويب ـ في معالجة الأزمة الحالية.

يخطئ الفاسدون إذا ظنوا أنهم سيكونون بمنأى عن سيل العرم إذا انهدم السد وتفرقت أيدي سبأ. أعلم أن الفاسدين لا تهمهم مصلحة الوطن، وأنهم إنما ينظرون إلى مصالحهم الخاصة، وأن الوطن بمفهومهم ثروة تُجلب وفرصة تُهتبل، ومنصب قد لا يتاح مرة أخرى. أعلم كذلك أن أهل الفساد في اليمن ـ كما في كل مكان ـ لا يهمهم إلا أنفسهم، ومع ذلك فإن الحرص على مصالحهم الخاصة اليوم هو الذي ينبغي أن يقف تصرفاتهم الإجرامية بحق الغالبية من الناس في بلد إذا مات فقيره جوعا فبسبب تخمة فاسديه. من العقل التوقف عن العبث لأن المركب إذا غرق فإن رؤوسا كثيرة يانعة سوف تعصف بها الأمواج.

أما المعارضة اليمنية فإن بيانات الإدانة والشجب لن تعفيها من مسؤوليتها الوطنية. تخطئ المعارضة إذا قالت إن ما يحدث في اليمن «شأن داخلي» يُحَلّ داخل السلطة المسؤولة عنه وأنه لا شأن لها بتطورات الأحداث، تخطئ المعارضة عندما ترى أن ما يحدث في اليمن ورقة ضغط على الحكومة، تخطئ إذا ظنت أن الأحداث العاصفة سوف تعجّل بزوال النظام، ومن ثم إتاحة الفرصة لها للوصول إلى السلطة.

لا وقت لدينا في اليمن للمماحكات السياسية النمطية بين السلطة والمعارضة التي تخطئ إذا كانت لا تفرق بين أن تعارض اليمن وأن تعارض الحكومة اليمنية. على المعارضة أن تدرك أن بياناتها المتوالية أصبحت أسطوانة مشروخة، ودندنة ممجوجة، وأن هذه البيانات أصبحت تعطي إشارات سالبة تظهر المعارضة بمظهر الشامت بالنظام أو المتفرج على معانات الناس. الموقف الحالي للمعارضة يظهرها بمظهر غير المعني بوحدة البلاد وأمنها، ويعطي انطباعا أنها ليست مؤهلة سياسيا لتحمل أعباء المعارضة ناهيك عن أعباء الحكم ومسؤولياته.

ثم ماذا؟

حلول سريعة وفورية ودائمة أمر لا بد منه لوقف هدير تلك العجلة المدوية نحو الهاوية. كلنا يعرف الحل، فالمشكلة ليست في عدم معرفة الحلول، المشكلة في انعدام الإرادة لتطبيقها. سحب البساط من تحت أقدام دعاة الانفصال بمعالجة الملفات الشائكة كافة في الجنوب والشمال أصبح ضرورة ملحّة غير قابلة للتأجيل. إعادة الاعتبار إلى الوحدة بعد أن خطفها منا أعداؤها من الفاسدين الذين يدعون اليوم إلى حمايتها وهم ألدّ أعدائها، إعادة الاعتبار إلى هذه الوحدة سيجعل الكل يدافع عنها وسيجنب الجيش الدخول في مواجهات مسلحة نحن في غنى عنها.

وخلاصة ما أريد قوله: «العدل أساس الملك». وكل ما كتبت وما كتب غيري حول هذا الموضوع إنما هو تنويعات مختلفة لهذه الدندنة الخالدة.

* كاتب يمني مقيم

في بريطانيا.