القروض غير الحسنة

TT

الأزمة المالية العالمية الكبرى والتداعيات التي أصابت القطاع المصرفي بالخليج العربي مسألة تستحق التأمل، نظرا لما انكشفت عنه من أمور هامة ومفصلية. فوضى الإقراض غير المقنن تسببت في مضاعفة الأزمة، وتفاقم تكلفة إصلاحها بشكل هائل منذ فترة ليست بالقصيرة، وهناك آراء مهنية تحذر من ازدياد ظاهرة إقراض «المجاميع» بالمجاملة. بنوك كانت تقرض كيانات تجارية ما مبالغ كبيرة حتى تصل معها للسقف الممكن المسموح، وبعدها تتجه لإقراض كيانات تجارية أخرى ترتبط معها بعلاقة إستراتيجية معينة. وهذه الظاهرة استمرت حتى تمكنت أكثر من مجموعة تجارية من الاستحواذ على حصص إستراتيجية في أكثر من مصرف في وضع يثير التحفظ ويطرح ضرورة التدخل لأجل كسر الاحتكار «الواضح». هذا الوضع خلق أوضاعا غير طبيعية في البنوك ومكن كيانات من أن يكون لها ثقل على حساب العامة الآخرين، وانتقلت هذه الظاهرة لتصبح ضمن سياسة بعض البنوك الإقراضية.

وإذا كان الشرط الأول لمنح أي قرض مصرفي هو «الجدارة الشخصية» للمتقدم للقرض، بمعنى أن يكون المتقدم للحصول على القرض صاحب سمعة جيدة ومصداقية، كانت القروض تمنح لمن لديهم شكوك وعلامات استفهام! كان يتم الدفاع عن ذلك من بعض المصارف بالقول «ولكن لدينا الضمانات الكافية» وهم يدركون أن الضمانات مهما بلغت لا تحمي من سوء استغلال المال المقترض في مآرب غامضة، وهذا ما حدث في أكثر من واقعة معروفة. وهذه النقطة الغريبة هي شبيهة بأبو العروس الذي يتقدم إليه عريس ويقال له بصراحة عليك الحذر منه ونحن لا ننصح به ولا نزكيه، ومع ذلك يقبل به لأنه زود المهر وقدم هدايا أكثر!! منطق أعوج.

دور المصارف هو تحقيق مكاسب وأرباح لمساهميها، هذا صحيح، ولكن يجب أن يكون هذا الربح بصورة فيها أريحية اجتماعية وحس أخلاقي، فلا يمكن أن تمنح المصارف قروضا لشخصيات عليها تساؤلات وهي تحرم شرائح جادة ومحترمة من صغار ومتوسطي رجال الأعمال الذين يعملون ويكدون بشرف وعرق وأمانة من فرص الحصول على تسهيلات لتطوير أعمالهم وتوسيعها وإنمائها بينما تكرس البنوك منح التسهيلات «لأعمال» لا توظف أحدا ولا يمكن أن ترى أي نتاج لها على الأرض ولا حتى التفضل بالسؤال من باب الفضول أو العلم أو الرغبة في العلم بالشيء في معرفة مصدر الأموال وأوجه صرفها. كل ذلك وأكثر هو نتاج طبيعي لمناخ مصرفي آن أوان تطويره وإصلاحه، لأن باستمراره سيولد المزيد من القصص المأساوية التي تشارك بعض البنوك في أسباب حدوثها.

[email protected]