العراق وإيران.. التاريخ يعيد نفسه

TT

بالأمس تناولنا ثلاثين عاماً من الجهل والغرور في حقبة حاكم العراق السابق صدام حسين، واليوم نعرج على درس قاس، وخطأ فادح، ارتكبه صدام بحق نفسه وشعبه، بل والمنطقة كلها، مع إيران، إذ يبدو اليوم أن بغداد تقوم بتكرار الخطأ نفسه مرة أخرى مع طهران.

وثائق التحقيق الأميركية مع صدام حسين، التي تنشرها «الشرق الأوسط»، تكشف أن صدام قرر أن يكون نمراً من ورق من أجل ردع إيران، ونجح في إيهام الجميع، وحتى شعبه، بأن لديه الأسلحة التي ستمكنه من ردع إيران.

لكن ما الذي حدث؟ اندفع الإيرانيون في عملية تسليح كبرى، وسخروا كل جهودهم لاستهداف نظام صدام، بل إن طهران تعاونت مع الأميركيين من أجل إسقاط صدام، الذي ارتكب خطأ قاتلا حيث نجح في تحديد العدو، لكنه فشل في معرفة الصديق!

وبسبب غروره، ارتكب صدام حماقات عدة مع عمقه الحيوي، وهو العالم العربي، حيث أجرم بحقه يوم احتل الكويت، كما أجرم بحق شعبه الذي فتحت عليه كل نوافذ الجحيم. فقد عادى العرب، والمجتمع الدولي، وقبل كل شيء عادى شعبه بالقمع والديكتاتورية.

اليوم يحدث الخطأ نفسه في العراق، ولكن بطريقة مختلفة، فالعراق اليوم لم يناصب إيران العداء، بل قررت بغداد الارتماء في أحضان طهران وذلك من باب «اقترب من الشر لتأمن»، كما يقول المثل.

ويحدث كل ذلك في الوقت الذي تمر فيه العلاقات العراقية ـ العربية بحالة شلل ملحوظة، والمفارقة أن أبرز مشاكل العراق مع الدول العربية اليوم، وتحديداً الخليجيين، هي مطالبة بغداد لهم بإسقاط الديون، وهي القضية نفسها التي بنى عليها صدام عداءه مع العرب.

وكما أسلفنا، فإن صدام حسين كان نمراً من ورق أمام إيران، بينما النافذون في العراق اليوم قرروا النوم مع الأفاعي، والخطأ واحد، تاريخياً واستراتيجياً، خصوصاً إذا استحضرنا حديث صدام عن حجم اعتداءات النظام الإيراني على العراق. فإذا كان النظام الإيراني قد قام، وفقاً لتحقيقات صدام حسين الأخيرة، بما يقارب 500 محاولة اعتداء واغتيال، أيام قوة نظام بغداد، فكيف هو الحال اليوم وللإيرانيين موطئ قدم في كل زاوية في الداخل العراقي.

حماية العراق من المطامع الخارجية لا يمكن أن تتحقق إلا بتوحيد الداخل العراقي، وتقوية جبهته، وربط بغداد بعمقها الجغرافي والتاريخي الحقيقي، وهو العالم العربي، وتحويل بغداد إلى عضو دولي فعال، لا تابع لأي دولة كانت.

عندما يشعر العراقيون، بمختلف طوائفهم ومشاربهم، أن مظلتهم الحقيقية هي العراق، حيث لا فرق بين سني وشيعي، كردي وعربي، ويشعرون أن النظام العراقي هو الذي يحميهم لا التبعية للخارج، حينها ستكون أرض الرافدين قوية أمام المطامع الخارجية.

هذا هو الدرس المستفاد من أخطاء صدام حسين على مدى قرابة ثلاثين عاما في الحكم، وهذه هي أيضاً ملامح الخطأ الذي يرتكبه البعض في العراق اليوم، فواقع بغداد محزن، ومن يعيشون هناك يعلمون ذلك علم اليقين.   

[email protected]