لو كانت مؤامرة خليجية

TT

بعد أن رفض قادة المتظاهرين الانصياع للتهديدات قرر النظام الإيراني اللجوء إلى الطريقة القديمة، طبخ اعترافات متلفزة كتب نصوصها السجانون الذين لا تتوقف استجواباتهم الطويلة أو الضرب أو يسمح لهم بالأكل أو النوم إلا بالاستسلام. وحرمان المعتقل من النوم لليالٍ عديدة حتى ينهار ويقبل أي شرط من أجل أن ينام، هو أقل أصناف التعذيب إيلاما، وكافٍ بحد ذاته لإجباره على ما يطلب منه. لكن خارج السجن لن يقبل أحد مثل هذه الاعترافات، وقد استبقها قادة المعارضة بالسخرية منها. فالمواطن الإيراني العادي يعرف أنه لا توجد مؤامرة، بل خلاف داخل النظام الحاكم على النتائج، خلاف وقع في وضح النهار وفي ميادين وشوارع المدن الرئيسية. لم يكن هناك انقلاب في منتصف الليل، بل جدل جماعي مفتوح. وكان الخلاف بين الفريقين علنيا، جماعة أحمدي نجاد تريد الاحتفاظ بالحكم، وفريق مير موسوي يتقدم قطاعا شعبيا رافضا للأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة. الفريق الثاني يتهم الأول بأنه عمد إلى تزوير النتائج، واعتبرها سرقة مرفوضة، وقرر مواجهته شعبيا ونخبويا.

الخلاف بدأ انتخابيا كزوبعة في فنجان ثم أصبح زلزالا، وصار يكبر بفضل ارتباك النظام الذي عجز عن استيعابها داخليا، ثم جرب وفشل في تصديرها خارجيا. ومع أن النظام نجح في تحجيم المظاهرات بتخويف المتظاهرين من خلال تهديدهم بالسلاح، فإن المعارضة الجديدة، التي تشعر بالثقة في نفسها لأنها معارضة أصلية ومن داخل النظام، امتنعت عن المسيرات الكبيرة لكنها لم تصمت، ووسعت نشاطها من طهران إلى قم، عاصمة الشرعية الدينية، التي صارت طرفا أساسيا في الخلاف بالطعن في مشروعية حكم الرئيس أحمدي نجاد. الاحتجاجات مستمرة، والبيانات الرافضة من شخصيات جديدة لم تتوقف من المساجد إلى الشوارع ووسائل الإعلام، وبالتالي فشل مشروع الاحتواء الداخلي.

أيضا، لم تفلح محاولة تصدير الأزمة على الأجنبي من قبيل اللعب على العاطفة القومية، بل إن إلصاق التهمة بالبريطانيين، وسجن بعض موظفي سفارتهم، ورط إيران في خلاف أوسع مع كل دول الاتحاد الأوروبي، التي هددت بأنها ستقطع ما وجد من علاقات وتبادل تجاري، مما يهدد النظام بعزلة أكثر من ذي قبل. كما أخطأ الرئيس نجاد عندما انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت كان أوباما تحت ضغط شديد في داخل الولايات المتحدة ويلام على تقاعسه في دعم المتظاهرين الإيرانيين. وبسبب هجوم نجاد فتحت واشنطن خزائنها وأجهزتها لدعم المعارضة علانية، مما وسع المشكلة على النظام الإيراني. عاد نجاد وقلل من انتقاداته لواشنطن عندما وجد أنها تضرّ به، لكن فجأة سربت حكومته بالون اختبار جديدا يقول إن دولة خليجية هي وراء ما يحدث، وهذه أضعف تهمة يمكن أن تباع للجمهور الإيراني.

لو كان صحيحا أن دولة خليجية وراء ما جرى في خمس مدن إيرانية، فإن ذلك يعني أن النظام يعيش أيام وهن خطيرة حتى تستطيع أي دولة إقليمية إصابته بمثل هذا الزلزال الخطير. كلنا يدرك أنه لا توجد قوة خارجية أو إقليمية تقدر على إقناع وإدارة هذا العدد الكبير من القيادات السياسية المحنكة للتمرد على النظام الذي هي جزء منه، وتحريض ملايين الإيرانيين على التصويت ضد نجاد، والتظاهر ضد النتائج، ثم الاستمرار في المواجهة كما نرى اليوم. إنه أمر مضحك أن يقال إن دولة خليجية، أو غيرها، فعلت أي شيء مما جرى. ومهما اعتقلت قوات الأمن، ومهما جلدتهم وعذبتهم، حتى استنطقتهم باعترافات تلفزيونية تتهم الخارج بالتآمر والداخل بالخيانة، فإن ذلك سيفقد النظام كل ما تبقى له من مصداقية عند أتباعه المشككين أصلا في الرواية الأولى، رواية فرز الأصوات.

الاعترافات المزورة تؤكد ضعف النظام ولا تعزز روايته.

[email protected]