الحزب الجمهوري لا يجد أفكارا

TT

تستمر دوامة سقوط الحزب الجمهوري بسرعة. فمنذ أيام أعلن مركز بيو للأبحاث عن دراسة أظهرت أن نسبة الأميركيين الذين أجابوا بأنهم جمهوريون في تدن، حيث بلغت 22 في المائة، وهي نسبة منخفضة لحزب يريد البقاء في نظام الحزبين.

ومنذ أيام أيضا، قدم ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق دفاعا مطولا عن «أساليب التحقيق المعززة»، حتى مع رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما، في حديثه الذي يتفق مع إعلان الاستقلال والدستور، إقرار أساليب التعذيب وإعلانه أن أساليب التعذيب التي استخدمتها إدارة بوش وتشيني ألحقت أضرارا بمكانة أميركا في العالم.

لقد أصبح تشيني شبح بانكو في الحزب الجمهوري، حيث إنه رمز لتذكرة مستمرة (على العكس من بانكو المسكين المدافع) لجرائم الماضي الذي لا يغادر حفل العشاء، ولكن حتى عندما يتحدث الجمهوريون عن المستقبل في الفترة الحالية، فكأنهم يتحدثون بصوت الماضي. إنهم يلجأون إلى نيوت غينغريتش من أجل الحصول على أفكار جديدة، وكانت أهم أفكاره غلق الحكومة الفيدرالية؛ لإجبار بيل كلينتون على تخفيض أموال الرعاية الصحية. ولجأوا إلى تشيني من أجل إرشادهم في الدفاع القومي، وإلى راش ليمبو من أجل وضع معايير لتقاليد الحزب. ونظموا حشدين لمناهضة الضرائب، احتجاجا على الإدارة التي خفضت الضرائب على الأغلبية العظمى من الأميركيين. ويبحثون مشروع قانون يكبح جماح شركات بطاقات الائتمان، لخلق فرصة لإدراج تعديل يسمح للأميركيين بإدخال أسلحة مخبأة ومليئة بالذخيرة في الحدائق الوطنية. وتنظر اللجنة الوطنية للحزب في قرار يعبر عن شعور الحزب بوجوب إعادة الديمقراطيين تسمية أنفسهم «الحزب الاشتراكي الديمقراطي».

ولم يقدموا أية حلول لمشاكل البلاد، ولكنهم يفيضون بحلول لقضايا (مثل نقص الأسلحة المخبأة في يلوستون) ليست بقضايا. وهم يتلاعبون بتسمية الديمقراطيين، على الرغم من أنهم هم الواقعون في أزمة هوية، ولكن هناك سبب في حديثهم عن موضوعات قديمة، وانجذابهم إلى أكثرها سطحية، وهو سبب ليس قديما، وليس سطحيا. لقد أوقعت الأزمة المالية عالمهم في أزمة، إذا لم تكن قد ألغته تماما. وهو ما اعترف به العديد من الاقتصاديين والمفكرين الجمهوريين البارزين، على الرغم من أنه لا يوجد شخص اقترح فعلا طريقا بديلا ممكنا.

وقد اتخذت إعادة التفكير صورة الاعتراف بالذنب لدى رموز اقتصادية بارزة من عصر ريغان. وقد اعترف آلان غرينسبان أمام لجنة في الكونغرس في نهاية العام الماضي بأن افتراضاته الأساسية بشأن الاتجاه إلى تصحيح الذات والعقلانية الأساسية في كل من النظام الاقتصادي وكبار لاعبيه (المصارف) كانت خاطئة. وقال جاك ويلش المدير التنفيذي السابق لـ«جنرال إليكتريك»، الذي كانت بالنسبة له أولوية قيمة حاملي الأسهم على أهداف الشركة الأخرى مؤثرة بدرجة كبيرة، منذ أن بدأ في الترويج لذلك الفكر في بداية الثمانينات «إن قيمة حامل الأسهم تقع وسط العديد من الأهداف التي يجب أن تسعى الشركات إلى تحقيقها».

وجاء أشمل رفض لمفكر محافظ كان يتبنى مبادئ اقتصاد عدم التدخل من القاضي الفيدرالي (الذي ألف العديد من الكتب) ريتشارد بوسنر، والذي كان له أثر أساسي على حركة الاقتصاد والقانون المحافِظة، التي دفعت القضاة إلى النظر في الفاعلية الاقتصادية في أحكامهم. وفي كتابه الجديد «سقوط الرأسمالية»، يقول بوسنر «إن التراجع الاقتصادي الراهن، على النقيض من أي تراجع حدث منذ الكساد الكبير، يكشف أن الرأسمالية لا تصحح ذاتها، وأن قوى السوق لا يمكن أن تخلص ذاتها من الأزمة بصورة منظمة، وأن ما نمر به حاليا هو فشل الرأسمالية».

وكل ذلك يترك بوسنر واقعا في مأزق، حيث ما زال مترددا في التوصية بأن تطبيق نشاط حكومي واسع النطاق، وفقا لرؤيته، هو كل ما تبقى لإعادة بناء الاقتصاد، لأن الأسواق لا يمكنها أن تفعل ذلك بذاتها. ويحمل كتابه حاليا، مثل كتابات المثقفين المحافظين، أمثال ديفيد بروكس من «نيويورك تايمز»، نوعا من عبارة «لا عليك» التي اشتهرت بها إميلي ليتلا، حيث يرفض العديد من حقائق المحافظين التي قدموها بأنفسهم على مدار العقود السابقة، في الوقت الذي يمتنع فيه فعليا عن تبني العلاجات التي تقدمها إدارة أوباما.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان اتجاه المحافظين الأميركي يعرف ذاته بأنه ـ قبل كل شيء ـ معارض للشيوعية، وأنه منذ أواخر السبعينات يدعم رأسمالية اقتصاد عدم التدخل. لقد فازوا مرة، وخسروا مرة، ولكن النتيجة المتراكمة لانهيار الاتحاد السوفياتي، وفي صورة أضعف.. مصارف وول ستريت، أصبحت أن الحزب الجمهوري لم يعد لديه مذهب يحدد هويته. ولا يُعدّ إخفاء الأسلحة في يوسميت، والإيهام بالغرق في غوانتانامو من الأفكار الغبية الصادمة فقط، بل لا تُعدّ هذه أو تلك أيضا وسيلة لبناء حزب.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»