خواطر ما بعد إيران: إبعاد الشركاء المدنيين

TT

عملت الثورة الإيرانية على تصفية جميع الشركاء المدنيين، جسديا أو سياسيا، الواحد بعد الآخر. ومنهم من اتهمته، مثل صادق قطب زاده، بالعمل للـ«سي آي إيه»، ومنهم من نسف في ظروف تسمى عادة «غامضة». تراجعت الثورة خلال مرحلة عن فكرة التمدد. وشجع هذا الاتجاه الإصلاحيون. وبدل بسط النفوذ في ديار المسلمين، اختار السيد محمد خاتمي أن يبسط فكرة المصالحة التاريخية والخروج من أسر الماضي وآثاره، وأعلن أن الثورة الحقيقية ليست التي تنجح في تدمير الماضي بل في بناء المستقبل.

وكان من المثير رؤية رجل في سيرة خاتمي رئيسا على إيران، وسط مؤسسة قائمة على السرية والانغلاق واستبعاد الآخرين. وبدا الرجل أستاذا جامعيا من الفئة التي تصلح لأن تمضي عمرها في أوكسفورد أو برنستون. ومع ذلك صبر على نفسه، وصبر عليه المحافظون طوال ولايتين تميزتا بما نكب به من خسائر في صفوف أصدقائه ومجندي الانفتاح والحياة المدنية.

وكانت مرحلة خاتمي مرحلة صفاء وهدوء مع العالم العربي، قريبه وبعيده. وعادت علاقات إيران إلى طبيعتها مع جارتها الأوروبية. وبدا خاتمي نموذجا لزعيم سياسي في عالم يسعى إلى الوئام. ويوم جاءنا محاضرا في بيروت قبل سنوات ذهبت، لا لكي أسمع ما يريد أن يقول ـ وقد قرأت مؤلفاته مرة بعد مرة وأذهلني اجتهاده وارتقاؤه وتعدد اهتماماته ووسع معارفه ـ لكنني ذهبت لكي أقول لنفسي إنني صافحت هذا الرجل ذات يوم. وكنا نفاخر بأنه صهر لبنان ويطمئننا ذلك إلى اتساع الشفاعة في أزمان الغليان.

عندما كنت شابا كانت إيران بالنسبة لنا بلدا بعيدا له همومه وقضاياه. ولم يكن الحدث الإيراني يجد لنفسه مكانا في الصحافة العربية إلا في الزلازل وطلاق الشاه وزيجته بحثا عن ولي العهد. وكان في لبنان جريدة ظهرية «لسان الحال» تبحث منذ الصباح الباكر عن خبر مثير تنفرد به عند الظهر ولم يطلع في صحف الصباح. وعندما وضعت الإمبراطورة فرح ديبا وريثا للشاه في الصباح صدرت «لسان الحال» بعنوان أحمر عريض يعلن النبأ، وقال ميشال أبو جودة يومها أحد تعليقاته الضاحكة على شؤون المهنة: «حتى الإمبراطورات صرن يحددن مواعيد الولادة لمساعدة «لسان الحال» على الانتشار».

إلى اللقاء