قائمة سوداء للطائرات

TT

لو قُدّر إعداد قائمة سوداء للطائرات غير الصالحة للطيران الآمن، فأنا على ثقة بأن حديد «الخردة» سيشهد انخفاضا في أسعاره، فبعض الطائرات تصدر إبان طيرانها أنينا يشبه آهات عجوز تحتضر بين يدي عزرائيل، والكثير من تلك الطائرات يحتاج أن يطبّق عليه قانون «حصان الجيش»، ففي الجيوش التقليدية إذا هرم الجواد أطلقوا عليه رصاصة الرحمة لإنقاذه من عذابات الشيخوخة.

وجرت العادة أنه عقب سقوط أية طائرة يكثر الحديث بشأن المعايير الدولية للسلامة الجوية، ويتكرر اليوم نفس السيناريو إثر سقوط الطائرة اليمنية، وهي في طريقها من صنعاء إلى جزر القمر، ومقتل ركابها باستثناء طفلة تشبثت بقطعة من حطام الطائرة، قاومت بها الأمواج، والخوف، والرياح. ومن أهم الأحاديث التي أثارت النقع، حديث وزير النقل الفرنسي دومينيك بوسرو، وقوله أمام برلمان بلاده بأن حكومته ستكافح من أجل إعداد قائمة سوداء دولية خاصة بالطائرات التي تهدد سلامة المسافرين، وأتمنى أن يصدق الوزير الفرنسي، وتكافح حكومته في إعداد هذه القائمة «كالحة السواد»؛ لكيلا تستخف أية خطوط طيران في العالم بأية جزئية من معايير السلامة، وإلا أغلقت في وجهها مطارات الدنيا، وسدت الأبواب، فعمر الإنسان على رأي إخواننا المصريين «مش بعزقة»، ويستحق الناس الذين يتنقلون يوميا بين قارات الدنيا أن يتحد العالم لضمان أمنهم وسلامتهم.

وحوادث الطيران لا تقتصر على ضحاياها فقط، ولا أقاربهم فحسب، بل تمتد لتشمل آخرين يصابون بفوبيا الطيران، الذين تزداد أعدادهم عقب كل حادثة، وأنا على ثقة بأن حادثة طائرة «اير فرانس»، وحادثة الطائرة اليمنية ـ وهما أحدث كارثتي طيران ذهب ضحيتهما نحو 380 راكبا ـ قد سببتا الكثير من الخدوش النفسية لأعداد كبيرة من الناس، وغدا السفر بالطائرة بالنسبة لهؤلاء مغامرة تثير الكثير من الهواجس، والوساوس، والذعر.

وفوبيا الطيران تجربة مؤلمة لمن مر بها، وما زلت أذكر جاري في مقعد الطائرة، ذلك الرجل الأنيق، الوقور، الرزين، وكيف تحول عند أول مطب هوائي إلى طفل يبكي، ويصرخ، ويستنجد، وينثر الرعب في جوف الطائرة بين كل المسافرين، وكانت حصتي كبيرة من الفزع، والحيرة، والتوتر باعتباري جاره في المقعد، وقد توسم في العبد الضعيف قدرة «السوبرمان»، الذي يمكن أن يطير به من جوف الطائرة إلى الأرض، وبالتالي أحكم قبضتيه في رقبتي، وظل متشبثا جزءا من الرحلة، حتى أطفأت إشارة ربط الأحزمة ضوءها، وتجاوزت الطائرة مطباتها الهوائية.

إذا ما قُدّر لهذه القائمة السوداء أن تصدر ذات يوم، فأنا على ثقة ـ كما أسلفت ـ بأن الكثير من ذلك الحديد الطائر بين دول العالم الثالث سينتقل إلى حراج الخردة؛ ليصنع منه الناس كراسي، وخزانات مياه، ومواقد، ولعب أطفال على شكل طائرات.

حمانا الله وإياكم شرور البر والبحر والجو.

[email protected]