أفريقيا والخطر القادم

TT

خلص التقرير السنوي الذي تصدره مجلة «foreign policy» الأمريكية (مجلة السياسات الخارجية) التابعة لـ«the fund for peace» (صندوق دعم السلام، وهي مؤسسة خاصة تعنى بالدراسات والبحوث)، والذي نشرته المجلة في عددها الصادر في 3 يوليو (تموز) 2009م، إلى بيان بعدد الدول التي تم تصنيفها على أنها دول فاشلة، ويستند التقرير في تقييمه للدول، على معايير ومؤشرات مختلفة، منها الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، مستخدما دليلا تراتبيا يحتوي على 60 دولة، وبعد تحليل البيانات الخاصة لكل دولة، يتم وضع 10 نقاط لكل مؤشر، ليكون مجموع النقاط 120 نقطة، والدول التي تحصل على نقاط أعلى في المؤشر، تصنف على أنها دولة فاشلة، وهذا الدليل السنوي الذي تصدره مجلة «foreign policy» ليس المؤشر الوحيد للدول الفاشلة، فالبنك الدولي أيضا له تصنيفه الخاص للدول الفاشلة، فعندما يكون دخل الدولة، هو الأقل على المستوى العالمي، تصنف من قبل البنك على أنها دولة فاشلة. فالاهتمام بالدول الفاشلة والمخاطر الناجمة عن فشلها، أصبح هاجسا مقلقا للعالم، خاصة بعد أن أصبح تصدير مشاكلها، أمرا حتميا، سواء في ما يتصل بالإرهاب أو تجارة المخدرات أو الهجرة البشرية.

ومن الاستنتاجات المهمة التي نستخلصها من دراسة الدليل، الذي أصدرته المجلة لعام 2009م، أن القارة الأفريقية، هي الأكثر بين القارات إنتاجا للدول الفاشلة، إذ تبلغ نسبة الدول الأفريقية الفاشلة في هذا الدليل، 26 دولة من بين 66 دولة تم ذكرها في الدليل، أي بنسبة تقدر بنحو 50% من إجمالي الدول الفاشلة. وإذا نظرنا أيضا إلى إجمالي عدد الدول الأفريقية البالغ عددها 53 دولة، منها 26 دولة فاشلة، فإن نسبة الفشل بين الدول الأفريقية نفسها، يمثل أيضا قرابة النصف.

والمتابع للدليل السنوي الذي تصدره المجلة للدول الفاشلة ومقارنتها بالسنوات التي قبلها، يجد أن الدول الأفريقية تحظى بنصيب الأسد في الزيادة السنوية في هذا الدليل سنة بعد أخرى.

ومن أهم المؤشرات التي استندت الدراسة عليها، في تقييمها لهذه الدول، أولا: المؤشر الاجتماعي والمتمثل في الزيادة الديموغرافية «السكانية» وسوء توزيعها، والحركة العشوائية وغير النظامية للأفراد في هذه الدول، مما نتج عنه حالة معقدة، أدت إلى نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب، فتسبب ذلك في زيادة الأمراض والأوبئة ونشوء الصراعات الداخلية. ثانيا: المؤشر الاقتصادي ويتمثل في غياب التنمية الاقتصادية بين الجماعات المتباينة، نتج عنه عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، فزادت معدلات الفقر والنزاعات القبلية، مما أدى إلى عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمان، وبالتالي الهجرة إلى الدول المجاورة.

إن حالة الفشل المتزايدة بين دول القارة الأفريقية، تمثل ناقوس خطر للدول الغنية القريبة منها، وخاصة السعودية ودول الخليج العربي، فتزايدت الهجرة غير الشرعية لهذه الدول، من القارة الأفريقية، بحثا عن حياة أفضل. حيث وصلت في السنوات الأخيرة إلى معدلات مقلقة، ففي تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين، إلى اليمن حوالي 26000 مهاجر عام 2006م (اليمن تعتبر محطة ترانزيت لهؤلاء المهاجرين إلى السعودية ودول الخليج). وهذا العدد هو ما تم رصده وتسجيله رسميا لدى المنظمة، وهو خلاف الأعداد، التي استطاعت أن تتسلل إلى اليمن، ومنها إلى السعودية ودول الخليج بعيدا عن الرصد الرسمي لها.

وإذا أخذنا في الاعتبار الزيادة السكانية المتنامية، في القارة الأفريقية في السنوات القادمة، والتي قدر تقرير للأمم المتحدة عام 2007م بأنها ستتضاعف بحلول عام 2050 م من 945.3 مليون نسمة حاليا إلى 1.937.00 بليون نسمة.

فإن حجم الهجرة الهائل والقادم من أفريقيا، يمثل تحديا جديا للأمن الوطني وضغطا على الموارد الطبيعية، والخدمات في السعودية ودول الخليج، فطول السواحل البحرية والبرية لليمن والسعودية ودول الخليج، مع صعوبة التضاريس في هذه المناطق الحدودية، يمثلان عائقا كبيرا أمام التصدي لهذه الهجرات، كما أن بقاء المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وما يرافقها من عدم الاستقرار السياسي في هذه الدول الأفريقية، في ظل غياب الحلول الجادة، من قبل المجتمع الدولي، لتلك المشاكل والأزمات، أو التخفيف من حدتها، يمثل العنصر الرئيسي، لاستمرار تلك الهجرة غير الشرعية، والتي من المتوقع ازديادها في السنوات المقبلة.

إن الحلول والمعالجات المحلية، التي تقوم بها الدول المتضررة، لمنع هذا الموج الجارف، من الهجرة البشرية، قد تؤتي ثمارها مؤقتا، إلا أن التشابكات الدولية، وحجم القارة الأفريقية، والزيادة المطردة، في فشل دولها عاما بعد آخر، يمثل العائق الأكبر أمام حلول منظورة في المستقبل القريب، فمن المتوقع أن تستمر هذه القارة لسنوات طويلة قادمة، الخطر الفعلي القادم، على السعودية ودول الخليج ومواردها الطبيعية والبشرية.

[email protected]