الزواج مقابل القطران!

TT

فوجئ سكان العاصمة السعودية الرياض بحملات دعائية تروج لبرنامج جديد لإحدى الجمعيات الخيرية والتي تدعو المدخنين للإقلاع عن هذه العادة في مقابل تزويجهم، أي أن الإقلاع عن التدخين يساوي عروسة. والحقيقة لم تتوسع الحملة في الدخول في تفاصيل هذا العرض المغري واللافت؛ فمثلا لم توضح ما إذا كان هذا العرض يمنح عروسا بكرا لمن كان من مدخني الأصناف الثقيلة كالمارلبورو الأحمر والروثمان الأزرق أو السيجار الكوبي مثلا؟ وإذا كان من مدخني عينات «اللايت» الخفيف و«الألترا لايت» الأخف هل سيحصل على «ثيب» أو مطلقة أو أرمل أو.. وطبعا هذا النوع من العروض يجبر على عدم التمييز ضد أصحاب عينات الإدمان الأخرى في المجتمع، فهل الذي يقاوم السمنة ويقاطع الوجبات الدسمة يستحق عروسا «استثنائية» من عينات ملكات الجمال؟ ناهيك عن مقلعي تعاطي سموم المخدرات وشرب الكحول المسكر.. ماذا يا ترى يستحق هؤلاء؟ لعل أفضل تعويض لهم هو زواج بالأربعة في ليلة واحدة! هذا أقل شيء بالتأكيد.

واضح أن من اقترح هذا الحل لديه «نفس» خاص جدا و«صدره» واسع و«مزاجه» عال، فالحملة المقترحة، مهما كانت نواياها سليمة وحسنة، إلا أنها ترسل رسائل في منتهى السلبية بحق النساء وتحط من قدرهن الكريم. فهل يمكن أن تكون المرأة هي «مكافأة» من يقرر الإقلاع عن التدخين؟ إذا لم يستطع الإنسان بالوعي والمنطق والحكمة والاطلاع الموجود اليوم، أن يدرك وحده أن التدخين آفة مدمرة للصحة، فليتحمل نتيجة عناده وتكبره على الحل الواضح أمامه. هذا خيار أمام الإنسان ليأخذه، ولا داعي أبدا لخلط المسائل بهذا الشكل الرخيص المنفر.. تحويل مسألة صحية توعوية إلى مكافأة اجتماعية ومعالجة ضعيفة أمام إغراء السيجارة إلى جائزة لإرضاء شهوته وغريزته. الزواج قرار مسؤول ومحترم ويترتب عليه سلسلة مهمة من الالتزامات والآداب ولا يمكن أن ينظر إليه على أنه جائزة إقلاع عن تدخين؛ لأن هذا النوع من «النظرة» لرباط مقدس كالزواج هو الذي يسهم بصورة مباشرة في تزكية أجواء الاستهتار بالزواج نفسه واستسهال الطلاق والتبعات المترتبة عليه وما يحدث من مشاكل كثيرة يدفع ثمنها كثيرون. الإقلاع عن التدخين هدف مهم وغاية نبيلة وهناك دول وضعته كهدف استراتيجي للقضاء عليه، وذلك من ضمن خطط خفض تكاليف العلاج الطبي لأن التدخين ثبت أنه سبب رئيسي لأمراض القلب وأورام الرئة والصدر والحلق بالإضافة لعلل أخرى في الشرايين والأوردة والجلد. لكن كل المطلوب ألا تخلط الأمور برعونة التنفيذ فتضيع فرصة جميلة لتحقيق غاية هامة، وتنقلب المسألة إلى أضحوكة ومثار للسخرية. الإقلاع عن التدخين شيء والزواج شيء آخر تماما. التدخين مدمر للصحة وللمال (لي أصدقاء يؤكدون أن الزواج له نفس الأضرار.. وطبعا هذا رأي أقلية لا يعتد به).. وسلامتكم.

[email protected]