أوباما بني أمية

TT

الرئيس الأمريكي باراك أوباما والخليفة الأموي مروان بن محمد، كلاهما يمتلك مواهب شخصية قيادية فذة، وكلاهما جاء في الوقت الغلط، فمروان ورث دولة مزقتها الحروب الخارجية والفتن الداخلية، وأوباما تسلم دولة فتكت بها الأزمة الاقتصادية وأربكت حساباتها مناطق عالمية ملتهبة، فتلاشت مواهب مروان وفروسيته بين دخان الفتن، وتاهت قيادية أوباما وكارزميته بين غبار الأزمات المتصاعدة.

هناك أوجه شبه تجمع بين «مروان الأموي» الذي سقطت في عهده الخلافة الأموية أواخر القرن السادس الميلادي، وبين «أوباما الأمريكي» الذي تصدعت في عهده الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم. الخليفة مروان قاتل إلى آخر رمق للدفاع عن الدولة الأموية التي ترنحت بسبب أخطاء قاتلة ارتكبها الخلفاء الذين سبقوه، وأوباما الرئيس تقلد منصب الرئاسة بعد أن أصيبت الشعبية الأمريكية في مقتل بسبب أخطاء فادحة ارتكبها الرؤساء الأمريكيون قبله، وخصوصا سلفه الرئيس بوش. كان مروان، الذي يقال عنه «أصبر من حمار في الحروب»، منهمكا في رتق الفتوق التي أصابت دولة بني أمية، وأوباما انهمك هو الآخر في رتق فتوق أكبر وبعوج أخطر، فهناك فتوق اقتصادية زلزلت بلده والعالم، وهناك فتوق سياسية نازفة في فلسطين المحتلة، وإيران المشاكسة، وأفغانستان المضطربة، وآخرها الفتق النووي المزعج في كوريا الشمالية.

أوباما الذي جاء في الوقت الخطأ، خطابه في القاهرة أيضا وصلت أصداؤه إلى الساحة الإيرانية في الوقت الخطأ، فلخبط فوز نجاد وتعامله القمعي مع شعبه حسابات أوباما، فذبلت الوردة التي أراد أوباما أن يعاكس بها إيران، وإلا فلكم أن تتخيلوا شهر العسل الذي سيكون بين أوباما ومير موسوي لو أن الأخير فاز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وعليه فسيربض نجاد على قلب أوباما بقية مكثه في البيت الأبيض، وسيربض معه الزعيم الصهيوني الفظ نتنياهو، الذي واجه خطاب أوباما التصالحي للعالم الإسلامي بخطاب تشددي وجهه إلى العالم أجمع. أما كوريا الشمالية التي حنت رأسها للعاصفة الأمريكية في عهد بوش، فقد أظهرت في عهد أوباما بدل الرأس الذي حنته رؤوسا نووية مرعبة.

كان مروان بن محمد أديبا بليغا وخطيبا مفوها، وكذلك أوباما الذي سحر العالم بكاريزميته وقدرته الفائقة على الخطابة، حتى رأينا الذين أصابهم التنويم المغناطيسي من خطابه الشهير والبليغ في القاهرة أكثر بكثير من الذين أدركوا مراميه وقرأوا ما بين سطوره. كان الخليفة مروان مشهورا بالفروسية والدهاء حتى جندل أعتى الفرسان على تخوم الروم، ودوخ الخوارج ورؤوس الفتن الداخلية، وأوباما أيضا هو داهية أمريكا الأسمر الذي طوح هو الآخر برؤوس خصومه السياسيين ليصل إلى البيت الأبيض، حتى إنه، وهو الذي جاء من خلفية عائلية بسيطة، جندل رموزا سياسية كبيرة داخل حزبه مثل هيلاري كلينتون، التي رضيت صابرة «غير محتسبة» بمنصب الخارجية تحت إمرته وسيادته، وحين حمي وطيس المعركة الكبرى مع الحزب الجمهوري بات «مكين» لدى أوباما غير مكين.

ومن أوجه الشبه الغريبة بين هاتين الشخصيتين التاريخيتين أن أوباما أفريقي وأمه أمريكية بيضاء، ومروان بن أمية عربي وأمه كردية بيضاء، فهل مروان وأوباما الزعيمان والفارسان الداهيتان يمثلان إثباتا للنظرية التي تقول: «إنّ تزاوج الأعراق واختلاطها مظنة لإنجاب النجباء»؟

هناك زعامات تاريخية موهوبة أسقطتها الأزمات، وقيادات أخرى خلقتها الأزمات، ومروان الأموي مثل أوباما الأمريكي، كلاهما قيادة فذة وموهبة لافتة, الأول أسقطته الأزمات فلم تنفعه مواهبه وبلاغته وفروسيته فهوى وهوت معه دولته، والثاني يحاول أن يثبت أنه بمواهبه سيكون مثل الداهية عمرو بن العاص، لا يواجه أزمة إلا ويفلت منها سليما معافى.

[email protected]