خواطر ما بعد إيران: أفضل ما حدث للثورة

TT

بعد الثورة الإيرانية عاد الشرق الأوسط كما عرَّف به الأميركيون بعيد الحرب العالمية الثانية. لم يعد يعني فقط المنطقة التي تضم المشرق العربي وإسرائيل، ولا عادت «قضية الشرق الأوسط» تعني القضية الفلسطينية وحدها، بل عاد المصطلح يضم إيران وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى المغرب العربي، الذي كان الغرب يشير إليه باسم «شمال أفريقيا» أو «أفريقيا الشمالية»، ولا يزال. أهم ما قدر للجمهورية الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية، لم يكن في الداخل على الإطلاق. الأمر الأول، هو أن «المقاومة الإسلامية» في لبنان، التي تعني حصرا «حزب الله»، حققت أهم انتصار عسكري على إسرائيل منذ عبور قناة السويس. وفي الوقت الذي تركت فيه المقاومة الفلسطينية لبنان مشتتة العام 1982، راح «حزب الله» يبني في الجنوب ثم في كل لبنان، قوة عسكرية استطاعت، من ناحية، تحرير الجنوب، ومن ناحية أخرى فرض نفسها في السياسة اللبنانية كقوة نقض لا يمكن تجاوزها ولا مواجهتها. فالحزب هو الذي يختار الحقائب الشعبية في الحكومة وهو الذي يختار الوزراء، وليس رئيس الوزراء. والحزب هو الذي يختار وظائف الدرجة الأولى ومن يملؤها (الأمن العام، قائد أمن المطار)، والحزب هو الذي يعطل حركة بيروت بالاعتصام، والحزب هو الذي يقود حلفاءه، حركة أمل، والتيار العوني. والحزب هو الذي يقرر شل الحكومة بالانسحاب منها أو فرض شروطه عليها من خلال الثلث المعطل. لم يخف «حزب الله» في أي لحظة علاقته العضوية بإيران. وقد أعلن زعيم الحزب غير مرة أنه يؤمن بولاية الفقيه ولو أنه يعرف أنه لا يمكن فرضها على لبنان كله. وأهم ما حدث في هذا الباب، من حيث التعبير العلني عن الولاء، أنه عندما استشهد الابن البكر، هادي، في معركة مع الإسرائيليين، نعاه إلى ثلاثة آنذاك: أولا، مرشد الثورة، ثانيا، الرئيس حافظ الأسد، وثالثا وأخيرا الجنرال إميل لحود. لا ضرورة للتأويل.

أعطى «حزب الله»، المنتصر في الجنوب على دبابات الميركافا، التي كانت في الماضي رمز إلحاق الهزيمة بالعرب، أعطى إيران بُعدها العربي الذي ما كانت تتوقعه أو تحلم به من قبل. وتحول الحزب في لبنان من مقاومة إلى صيغة حياة، وارتدت المرأة الشيعية «التشادور»، بحيث بدت بعض أحياء بيروت ومدن الجنوب، للمرة الأولى في تاريخ الاثنين، وكأنها امتداد عفوي لجنوب طهران وأواسط تبريز وجميع «قم». والأرجح أن «قم» تكتب خطأ هكذا ولعلها في الأصل «قوم» ولست خبيرا بل مجرد معلل.

الأمر الثاني، والشديد التأثير، الواسع الارتجاعات، كان انهيار الاتحاد السوفياتي. فجأة، تحولت إيران التي تخاف الجوار الروسي منذ قرون، إلى قوة مؤثرة تتفاعل وتتمدد في آسيا الوسطى، معتمدة مرة على شيعتها، ومتحالفة مرة أخرى مع متطرفي السنة، «كالقاعدة» الذين أمنت لهم أبواب الحماية وربما التمويل في بعض الحالات.

إلى اللقاء.