الصحة العقلية أولا!

TT

قال المتنبي:

وإذا الشيخ قال: أف فما مل حياة وإنما الضعف ملاّ

آلة العيش صحة وشباب فإذا وليا عن المرء ولّى!

هذه الأبيات هي خلاصة كل ما جاء في 700 صفحة من كتاب عنوانه: (امضغ طعامك تعش طويلا).. المؤلف أمريكي اسمه هاوز. وهي طبعة حديثة لكتاب قديم، تعاون على إخراجه خمسة من تلامذة المؤلف. والمعنى واحد. أو الخط الذهبي الذي يمسك الكتاب من أوله لآخره: أن الصحة تبدأ بالفم. أي إذا أكلت يجب أن تمضغ جيدا. فالمعدة تبدأ من فوق. وهناك عبارة قديمة لعالمنا المصري الكبير د.أحمد زكي يقول: اضحك ترقص معدتك.. أي إن الروح المعنوية لها دخل كبير في المضغ والهضم واستفادة الجسم من الطعام، بشرط أن يتم المضغ والهضم والتمثيل وأنت في حالة معنوية جيدة. ولكن كيف؟

كلام كثير حلو وسهل تطبيقه إذا كانت عندك إرادة. وإذا كانت الإرادة هي سيدة قرارها. فأنت بينك وبين نفسك قررت أن تعيش صحيحا معافى سعيدا بعد ذلك. كيف؟ هناك كلام كثير: حسن اختيار الطعام والمشي. وحسن اختيار الشراب والمشي. وحسن اختيار أوقات النوم والمشي.. وحسن اختيار الموسيقى والمشي..

وكان أستاذنا العظيم أرسطو له مدرسة اسمها «مدرسة المشائين» فكان أرسطو يشرح معضلات الفلسفة وما بعد الطبيعة والرياضيات والفيزياء ماشيا ومن ورائه وحوله تلامذته..

وكان السيد المسيح عليه السلام إذا أراد أن يشرح لحوارييه أمرا من الأمور كان يطلب إليهم أن يجلسوا وأن يتناولوا طعاما. ويكون الكلام هادئا وديا مقنعا.. مثلا أعلى في فن الحوار وأدب الحوار. وكان أستاذنا العظيم سقراط يقف بتلاميذه على النواصي، حيث الهواء وحرية الحركة. وكان لا يضايقهم ولا يضايقه إلا أن الهواء يكشف عن جسد أستاذهم.. ولم يكن الإغريق قد اخترعوا الملابس الداخلية بعد..! ولكن سقراط بصدره العاري وقدميه الحافيتين يحاور ويناور ويداور. وينسى تلامذته أن يأكلوا ويشربوا. ولكنهم سعداء بما سمعوا، ويجيء النوم لهم جميعا. ولا يهم أن يأكلوا ويشربوا. فقد هدأت أعصابهم واستراحوا إلى ما سمعوا. وكان سقراط يقول: إن الصحة كالمشط تسوي الشعر والشعور. ولم نعرف أن سقراط قد مرض أو أن أحدا من تلامذته تخلف عن الوقوف حتى النوم..

ولا قال سقراط الشيخ: أف.. ولا قال تلامذته.. لقد تركوا لنا: أف وأف!