المشغلة والشغالة

TT

يدور كلام كثير حول سوء صورة الشخصية العربية في الغرب. وهو موضوع خطير، ليس فقط من الناحية المعنوية والأخلاقية وإنما له آثاره السياسية والاقتصادية أيضا. فالغربيون يتعاملون مع قضايانا السياسية بصلف بسبب ذلك، ويفرضون علينا تبعات مالية في صفقاتهم معنا أيضا بسببه. فالشركات الأمريكية مثلا اعتادت على فرض علاوات على عقودها معنا مما لا تفرضه على نفس العمل في أوربا.

وجرى الكثير من الحديث عن تحسين صورة الشخصية العربية في العالم. أريد أن أدلي بدلوي في الموضوع، فأقول إنه لتحسين صورة العربي أجدر بنا تحسين صورة الشغالات في بيوتنا قبل تحسين صورتنا في أعمالنا. لا تمر بضعة أيام إلا ونقرأ أو نشاهد في الإعلام الغربي فجائع عن الشغالات الأجنبيات العاملات في بيوتنا. وكلها فجائع مريرة ومقرفة لا أتصور إنسانا عاقلا كريما يقوم بمثلها. كثيرا ما تُضطرّ الشرطة في الغرب إلى التدخل فيها لإنقاذ الشغالة المسكينة، أحيانا إنقاذها من الجوع. لا أفهم كيف تقوم أسرة غنية برمي الطعام في القمامة وتُجيع خادمتها أو تمسك عنها أجورها. كثيرا ما تضمنت هذه الفجائع ضرب الشغالة واغتصابها وتعذيبها تعذيبا ينطوي غالبا على عنصر من السادية. تنتهي أحيانا بموت الشغالة أو قتلها. يتضمن هذا القتل غالبا الادعاء بأنها سقطت من «البلكون». أيعني ذلك أننا دائما نسينا أن نركّب سياجا لـ«البلكون»؟ لماذا لم تسقط منه سيدة البيت؟

إنه الرق الجديد. الغرب مشغول الآن في محاربة الرق الأبيض (عبودية الدعارة). سنسمعهم عن قريب يتوجهون لمحاربة الرق الأسمر. فمعظم الشغالات أسيويات. بسبب تعاظم البون بين الشعوب الفقيرة والغنية، هناك الآن نحو 300 مليون رجل وامرأة هجروا بلادهم للعمل في الدول الغنية. تشكّل الشغالات شريحة كبيرة من هذا الرقم. وتعمل الكثير منهن في الشرق الأوسط بسبب كسل نسائنا واستنكافهن عن الأشغال البيتية، بما في ذلك تربية الأطفال.

هؤلاء الصبايا بنات فقيرات من قرى متخلفة جائعة، يهجرن أهلهن ويتركن أطفالهن وأزواجهن وراءهن ليكسبن لقمة عيش ويبعثن بشيء من أجورهن لأهلهن. إنه ظلم وكفر ما بعده ظلم وكفر أن تستغل امرأة أخرى حباها الله بالثروة والنعمة تعاسة هؤلاء الصبايا المسكينات فتجيعهن وتبخسهن أجورهن وتنهال عليهن بالضرب والتعذيب والإرهاق.

كان من الجميل أن أسمع من البحرين عن قيام الحكومة بتعديل أنظمة العمل بحيث يصون حقوق هذه العمالة الأجنبية. ولكن ما من قانون أو نظام يصون حقوق الإنسان غير الإنسان نفسه، أن يشعر أصحاب وصاحبات العمل بالرحمة والشفقة واحترام حقوق المستضعفين والمستضعفات اللواتي خلقهن الله مثل خلقهن وساقهن الجوع والحاجة إلى أيديهن.

www.kishtainiat.blogspot.com